الجمعة، 20 مارس 2015

إنعكاسات ثورات الربيع العربي على النظام الدبلوماسي العربي




مقدمة:

يعيش العالم العربي منذ 17 ديسمبر 2010، حالة استثنائية في التاريخ السياسي للمنطقة شهدت لحد الآن (بداية ماي 2011) سقوط رئيسي نظامين استبداديين عتيدين، وثورة مسلحة في ليبيا، وحركات احتجاجية واسعة في اليمن، وفي سوريا تسعى إلى الإطاحة برؤسائها، ومسيرات متواصلة في غيرها من الدول  تطالب بتغييرات راديكالية غير مسبوقة في محتواها ولغتها. أسمي هذه الوضعية الرجة الثورية. ما يعطي أهمية إضافية لهذه الرجة هي أنها، وعلى عكس حالات التغيير السياسي في الماضي، ليست موجهة ضد عدو أجنبي، وأن مطالبها تتعدى الدعوة إلى تلبية الحاجات المادية للمواطنين إلى قضايا غير مادية مثل الحرية والكرامة ومحاربة الفساد، ثم إن محركها الأول والأساسي هو الشارع، المجتمع المدني، وليس الجيش أو الأحزاب المنظَّمة كما كان الأمر في حالات أو محاولات التغيير السابقة.
وقد لا يخلوا وصف الأحدث التاريخية التي تستهدف المنطقة العربية "بالربيع العربي" من الكثير من التبسيط ، الذي ربما يخل بقيمة هذه التحولات التأسيسية ، على إعتبار أن هذا لمصطلح (الربيع العربي) تم نقله من تجارب ثورية و إصطلاحية عالمية أخرى ، مختلفة في مسارها وحيثياتها عما يعيشه الوطن العربي ، فعلى سبيل المثال فإن قاموس "أوكسفورد" يميز بين ثلاث حالات لما يطلق عليه إسطلاحا بالربيع :
ü   الربيع البولندي : 1956-1972
ü   ربيع سيول الكوري : 1976
ü   ربيع براغ 1968.
ومن جهة أخرى فقد يوحي هذا المصطلح بأمور إيجابية في مقدمتها : انتهاء مرحلة البيات و الركود وعودة الحياة و النهضة و الإزدهار ، حيث إستحن البعض هذا المصطلح "الربيع العربي" و إستعاض البعض الأخر عنه تماما في ظل بروز تعريفات أخرى كـ"الاحركات الإجتماعية" مع المفكر الإيراني آصف بايات  الذي حاول الإجابة عن هذا السؤال في مؤلفه الجديد "الحياة باعتبارها سياسة : كيف يغيِّر الناس العاديون الشرقَ الأوسطَ. يحاول "بايات" في كتابه أن يبين كيف أن الناس العاديين في منطقة الشرق الأوسط يقومون بالفعل تدريجيا وببطء بعملية تغييرٍ لوجه هذه المنطقة. وهو يقصد بالناس العاديين ذلك الطيف الواسع من المهجَّرين في المدن والشباب المعَولَم والنساء والإسلام الاجتماعي، ويبين كيف أنهم يسعون للتأثير في عملية التغيير في مجتمعاتهم، وذلك بمجرد رفضهم الخروج من المسرح السياسي والاجتماعي التي تهمين عليها الدول الأوتوقراطية والسلطات الأخلاقية والاقتصادات النيوليبرالية. وهم بذلك إنما يكتشفون ويوجِدون مساحات جديدة يستطيعون فيها ومن خلالها التعبير عن معارضتهم ويؤكدون وجودهم في محاولة لتحسين حياتهم.
وللتعبير عن هذه الظاهرة، ينحت بايات مصطلحا جديدا هو "اللاحركة" (nonmovement). وفي تعريفه لهذا المصطلح، يقول بايات إن اللاحركة تشير إلى "الفعل الجمعي الناتج عن فاعلين غير جمعيين." إنها تحتوي الممارسات المشتركة لأعداد هائلة من البشر العاديين الذين تُطلق أفعالهم الجزئية الفردية ولكن المتشابهة تغييرا اجتماعيا، رغم أن هذه الممارسات نادرا ما تكون موجَّهَة من قبل إيديولوجيا بعينها أو من قبل قيادات أو منظمات معروفة ،ثم ذهب البعض الى تفسير هذا الحراك على أساس النظرة البنيوية للثورة .
بل ومنهم من كان فعلا قد تنبأ لمثل ردة الفعل هذه حيث كان المفكر المغربي والمتخصص في الدراسات المستقبلية "المهدي المنجرة" يكرر دائما في كتاباته واستجواباته، بعد حرب الخليج الأولى، أن العالم العربي لا يمكن أن يظل على ما هو عليه بعد 20 سنة.  وأكد بأن غياب الحريات واتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء في البلدان العربية، بشهادة جميع التقارير الدولية، سيجعل المنطقة قابلة للانفجار في أية لحظة، لأن الطبيعة تخشى الفراغ. صحيح أن المفكر المهدي المنجرة لم يتنبأ بالثورة في التاريخ الذي اندلعت فيه، ولكن العوامل المساعدة لاندلاعها دفعته للقول بإمكانية اندلاعها بعد عشرين سنة.
والى أن يتم الاتفاق على مصطلح أكثر وضوحا و تدقيقا لما وقع في العالم العربي منذ 2011، فقد تم إستخدام هذا المصطلح داخل هذه الدراسة و القبول به وبتحفظ، لكن العجيب في الأمر أن تعيش الأرض العربية تحولات كهذه و تستورد تعريفها من الخارج . غير أنه تبقى هناك تصنيفات أخرى أقل تداولا من قبيل :
الإنتفاضة العربية ، اليقظة العربية ، الثورة العربية ، التمرد العربي ، و الإحتجاجات العربية ، وفي هذا الصدد جاء أول كتاب عن الربيع العربي قام بتأليفه عبد الإله مصطفى بالقزيز سبتمبر 2011 ، صدر عن مركز الدراسات الوحدة العربية "عشر دروس من وحي الإنتفاضة العربية".
وبما أنها قناة من قنوات التواصل و التفاعل بين الدول و الأنظمة بشكل ديناميكي ، فقد تقلدت الدبلوماسية ولا تزال مهاما هامة في كل التطورات التي شهدها العالم ، فإلى أي مدى كان تفاعل الدبلوماسية العربية مع "الربيع العربي"؟ والى أي مدى أنعكس هذا الأخير على السلوك الدبلوماسي العربي؟
إشكال تتفرع عنه مجموعة من الأسئلة يمكن إجمالها كالأتي :
في أي سياق جاء الربيع العربي ؟
كيف كان تعاطي الأنظمة الدبلوماسية العربية معه ؟ وما مراحل ذلك ؟
أين تتمثل إنعكاسات الربيع العربي على المستويين الإيجابي و السلبي ؟
 وأيضا على مخلف مستويات الدبلوماسية ؟ سواء الرسمية أم دبلوماسية المنظمات و الأحلاف ؟

من أجل محاولة مقاربة الإشكالية بشكل سليم و الإحاطة بالموضوع ، و كذا محاولة الإجابة عن الأسئلة الفرعية سنعمد لإعتماد المناهج التالية :

 المنهج التاريخي : من أجل دراسة الأبعاد التاريخية في العلاقة المغربية النيجيرية .
المنهج الوصفي : لدراسة العلاقة بين البلدين ووصف معطياتها السياسية و الإقتصادية .
المنهج التحليلي : لتحليل كل المعطيات السابقة ، وتبيان مدى أهمية نيجيريا في الإستراتيجيات المستقبلية للمغرب في عمقه الإفريقي .
وكذا سنعتمد على مجموعة من الأطاريح النظرية التي ناقشت الربيع العربي و تأثيراته و إنعكاساته :
الطرح البنيوي
نظرية "الاحراك الإجتماعي"
ترجمة لكل ما سبق ومن أجل محاولة مقاربة الإشكالية المرتبطة بإنعكاسات الربيع العربي على الدبلوماسية العربية ، و الإجابة عن كل الأسئلة الفرعية المرتبطة بها ، سنتناول الموضوع من واقع التصميم الأتي :
المبحث الأول : الدبلوماسية العربي و الربيع العربي.
المطلب الأول : السياق العام "للربيع العربي".
المطلب الثاني : تعاطي الدبلوماسية العربية مع "الربيع العربي"
المبحث الثاني : تداعيات "الربيع العربي" على الدبلوماسية العربية.
المطلب الأول : تداعيات على مستوى الدبلوماسية الرسمية.
المطلب الثاني : تداعيات على مستوى دبلوماسية المنظمات و التكتلات العربية .
المبحث الأول : الدبلوماسية العربي و الربيع العربي.

المطلب الأول : السياق العام "للربيع العربي".
لقد شكلت ثورات الربيع العربي حدثا هاما ومحطة أساسية لإعادة قراءة التاريخ العربي ، و يرى العديد من المحللين أن تفاعلات "الربيع العربي" تعد لحظة تاريخية من حيث أنها تمثل أول ضربة حقيقية للنظم التي استحوذت على السلطة بعد استقلال الدول العربية . لأنها كانت تطلق عليها "الاستثنائية العربية" والتي جعلت الدول العربية خارج نطاق التأثير بالموجات الديمقراطية التي اجتاحت العالم.
ويشير مارك لينش "أستاذ العلوم السياسية و العلاقات الدولية بجامعة جورج واشنطن الأمريكية" ، إن أحد التغيرات الهيكلية المهمة التي مهدت للربيع العربي وواكبته ، وهو التغيير التغيير الهيكلي في "الفضاء العام العربي" حيث أضعف ظهور القنوات العربية التي لا تتحكم فيها الدول ، و الصحف الخاصة إضافة الى شبكات التواصل الإجتماعي من قدرة النظر من قدرة النظم على التحكم في حركة المعلومات ، أو تغييرها بما يناسبها .
لقد تواصل تحدي المجتمع للنظم السلطوية في الشارع و في الفضاء الافتراضي لمدة عقد من الزمن . قبل الإنفجار الذي اجتاح المنطقة بأسرها بعد سقوط الرئيس التونسي . ولذلك كان الغليان الشعبي بسبب السلطوية و الاستبداد السياسي و احتكار المجال السياسي و اغلاقه في وجه الخاص و العام .وكذا سلوكات "عائلة الطرابلسي" و "محيط الرئيس السابق حسني مبارك" و"أتباع القذافي و أبنائه"  قد خلقت نوعا من الاحتقان الذي قاد الى إنتاج الحراك العربي .
وعلى المستوى الدولي شكلت الأزمة المالية ودكتاتورية الأسواق وهيمنة المال على عالم السياسة و الإقتصاد أرضية خصبة للتمهيد للربيع العربي ، كما أنه أيضا على مستوى السياق الوطني بكل تجلياته السياسية و الثقافية و الاقتصادية قد إتسم بطغيان النزعة الفردية ، و الفساد و اقتصاد الريع وغياب الشفافية و الإفلات من العقاب ، كما كان لتسريبات "ويكيلكس" وتكنولوحيا الإتصال دور في تعبئة الرأي العام و تشجيعه على الإحتجاج .
كما نجد أن عدم ممارسة المواطنين في كل من تونس ومصر لحقهم في حرية التعبير و الرأي سواء بشكل فردي أو جماعي وقمع الأحزاب السياسية و جمعيات المجتمع المدني و الإعتقال التعسفي و الإختطاف  و تزوير الإنتخابات طيلة الفترة الرئاسية لكل من بن علي و مبارك ، وإنكار حق المواطن في المشاركة السياسية وحق المساهمة في إدارة الشؤون العامة ، وحرية التجمع و التظاهر وغيرها ... هي أمثلة صارخة لعدم الاعتراف للأفراد في تونس ومصر بالمواطنة وهو ما يفسر خروجهم لأول مرة للاحتجاج و التظاهر ، ليس من أجل الخبز ، ولكن هذه المرة من أجل المطالبة بحقوق الإنسان و الكرامة و الإصلاحات الدستورية و السياسية.
وفي المغرب فإن حركة 20" فبراير" التي حركت المياه الراكدة وكشفت عن حرية التعبيير و التفكيير المدهشة من شباب المغرب ، لكن الخطاب الملكي جاء ليفاجئ حتى أقرب مستشاريه ، بإعتباره خطابا ثوريا تجاوز سقف مطالب حركة 20 فبراير و أعطى الشعب حق إختيار الملكية التي يريدها عبر إستفتاء شعبي .
و الملاحظ في الثورات أنها ثورات شعبية بالإساس ولا يوجد فيها فضل لأي تيار مهما كان إنتمائه أو توجهه ، فالاعب الرئيسي في هذه الثورات هو الفرد العادي في المجتمع و الذي ثار ضد فساد و قمع النظام القائم و الجاثم على صدره ، و بذلك شكلت حقبة الثورات العربية إنتاجا فكريا و مبدئيا تجاوز الأطر التقليدية و شكلت في الواقع زمن مختلف يؤسس بالضرورة لمرحلة لم يكشف من معالمها لغاية اليوم الا الجزء الصغير و القادم أكبر .
وقد شكلت الثورات العربية مجالا خصبا لمحاولة تفسيرها وفق نظريات ، فكان بذلك أن توفر السياق العام للأحداث و الذي يعتبر أحد النماذج الذي تشتغل عليه المدرسة البنيوية لتحليل الثورة ، و التي عرفت في صيغتها الماركسية و التنموية ، ولكنها تعجز عن تفسيير المسارات التي تتحذها هذه الأحداث بالإضافة الى النظريات الرائدة في معالجة الحركات الإحتجاجية المتمثلة في ثلاثة مصطلحات : " تعبئة الموارد" و"الفرص السياسية"و"التأطير".

المطلب الثاني : تعاطي الدبلوماسية العربية مع "الربيع العربي"
إذا كانت دول العالم العربي في ما بينها كانت سابقاً تعيش تحت وطئة التقسيم الى أنظمة تقدمية و أخرى محافظة ومقسمة ضمنيا الى معسكر الملكيات و الجمهورية ، فإن هذا الواقع تغير نوعاً ، حيث إستبدل بمنطق الولاءات للقوى الفاعلة على الساحة الدولية ، فيمكن أن نميز بين :
الدول الموالية للمنظومة الأمريكية الأوروبية : ومن ضمنها دول المغرب العربي ، دول الخليج العربي ومصر .
الدول الممانعة و الموالية "للمنظومة الروسية الصينية" : ومن ضمنها سوريا ، العراق في عهد الرئيس صدام ، ليبيا في عهد القذافي ، وهي التي كان يطلق عليها دول الممانعة .
وفي إطار السياق التراتبي لبروز و تطور الحركات الإحتجاجية ، أو بالأصح تطور الحراك العربي مر الربيع العربي مراحل:
ü   أولا : الأنكار ومحاولة الأحتواء.
ü   ثانيا : إستخدام القوة .
ü   ثالثا : الخضوع لضرورة التفاعل الإيجابي .
وبناء على سبق من عوامل حكمت تعاطي الدبلوماسية العربية مع "ثورات الربيع الربيع العربي" تفاوتت ردود الفعل ، حيث  نميز بين تعاطي الدول في إطار مواقفها الفردية ، وكذا في مواقفها داخل التكتلات و المنظمات العربية ومن أمثلة ذلك نسجل ما يلي :
ü   الثورة في تونس ومصر كنماذج الثورات الصلبة :
المواقف الفردية : فمثلا لم كان موقف الدبلوماسية المغربية متحفظا و مترقباً تجاه الثورة في تونس ، لسبب كونها الشرارة الأولى ، ولعدم وجود موقف عربي أو دولي واضح آنذاك.
 دعا الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى يوم السبت 29 يناير إلى تحرك سريع لاحتواء الوضع المتفجر في مصر عبر إصلاح سريع يستجيب بصورة جادة لمطالب الشعب.
السعودية :أجرى ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز اتصالا هاتفيا اليوم السبت مع الرئيس المصري أعرب فيه عن مساندته له وانتقد الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ الثلاثاء الماضي، [20] كما أشاد الملك عبد الله بن عبد العزيز بدور الجيش في الانتقال السلمى للسلطة بوم السبت الموافق 12 فبراير.
ليبيا: تلقى الرئيس مبارك مكالمة هاتفية من العقيد الليبي معمر القذافي، أعرب له فيها عن ثقته في "استقرار المجتمع المصري وحفاظه على ما حققه من مكتسبات".
 سوريا: قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم أن سوريا تتمنى الخير للشعب المصري وأن ما يجري بمصر هو شأن داخلي.[
 الكويت:اشادت الكويت بدور الجيش في الأنتقال السلمى للسلطة في مصر يوم السبت فبراير.
الثورة في ليبيا – نماذج الثورات المتعثرة :المواقف الفردية : لكونها جاءت في سياق لاحق للثورتين المصرية و التونسية ، ولكونها أيضا إسقاطا واقعيا لما أردفنا من عوامل مؤثرة في توجيه القرار الدبلوماسي في الأنظمة العربية ، وجدت الثورة في ليبيا تجاوبا كبيرا.
قطر: في أول رد فعل عربي على ما يجري في ليبيا، قال مصدر مسؤول في الخارجية القطرية في 21 فبراير أن قطر تتابع بقلق بالغ الأحداث الجارية في ليبيا، خصوصا ما تردد من أنباء عن استخدام السلطات الليبية للطيران والأسلحة النارية في مواجهة المدنيين.
الجزائر: أعلنت السلطات الجزائرية حالة تأهب قصوى تحسّبا لأي طارئ في ظل الأحداث التي تشهدها ليبيا.
عبرت الحكومة الأردنية : عن رفضها لاستهداف المدنيين في ليبيا واستخدام الطائرات الحربية والمدفعية الثقيلة ضدهم. وأكدت أن إراقة دماء أبناء الشعب الليبي الشقيق يجب أن تتوقف فورا.
مصر: أكد وزير الخارجية في الحكومة المصرية المؤقتة أحمد أبو الغيط يوم الأحد 27 فبراير، أن الحكومة المصرية لاتدعم أي خيار يؤدي إلى التدخل بالشؤون الليبية الداخلية عسكريا، لكنه في نفس الوقت حث السلطات الليبية على وقف العنف هناك. كما حثها على مساعدة الحكومة المصرية على إجلاء المصريين العاملين في ليبيا.
قررت الجامعة العربية : تعليق عضوية ليبيا لحين توقف القتال بين القذافى والثوار، ثم طلبت من مجلس الأمن اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين، وبالتالى أصدر مجلس الأمن قراره بفرض منطقة حظر جوى فوق الأراضى الليبية، وقدم «الناتو» مساعدات عسكرية للثوار أسهمت فى إسقاط القذافى.
وعليه يظهر أن التفاعل الدبلوماسي العربي مع قضايا الربيع العربي جاء على مراحل كما سبق و أشرنا ، وخاضعا لعوامل حددت مدى فاعلية و نجاعته في مواقف ، و تواضعه و محدوديته في مواقف أخرى.

المبحث الثاني : تداعيات الربيع العربي على الدبلوماسية العربية
المطلب الأول : التداعيات على مستوى دبلوماسية الدول :
لقد خلق ” الربيع العربي“ وما تلاه من تحولات عميقة في المنطقة تغير على مستوى الأنظمة الدبلوماسية العربية ، فقد تغييرت أنظمة بالكامل ، بتوجهاتها و سياساتها و مؤسساتها وحتى أعلامها ، مما جعلنا نتحدث عن دبلوماسية جديدة في المنطقة ، ونحن عندما نتحدث عن الإنعكاسات فنحن نتحدث عن جانب إيجابي و أخر سلبي :
ü   إيجابيا:
-   ميلاد إهتمام متزايد و تفاعل بين الدبلوماسيات العربية في ما يخص قضايا بعضها البعض .
-       إنفتاح المواقف الدبلوماسية على المطالب الشعبية .
ü   سلبيا :
-       تكريس واقع التحالفات و الولاءات .
-        ظهور فرضية تصفية الحسابات .
-   أشكال جديدة و أدوار خفية للدبلوماسية في تسير و الزيادة من حدة ثورات دون أخرى.

المطلب الثاني : تداعيات على مستوى دبلوماسية المنظمات و التكتلات العربية .
الإتحاد المغاربي : مع هبوب رياح الربيع العربي عرفت منطقة المغرب العربي تحركات مكثفة توحي بوجود رغبة حقيقية في بعث الروح في الجسد المغاربي و إعادته الى الواجهة من جديد بعد غياب دام سنوات بسبب فتور العلاقات الثنائية بين الدول الموقعة على إتفاقية مراكش لعام 1989 ، حيث شكلت تداعيات الربيع العربي الحجر الذي حرك مياه الإتحاد المغاربي الراكدة و بذلك أعلن المغرب عن رغبته في تفعييل الإتحاد وفتح الحدود مع الجزائر ، كما دعى منصف المرزوقي الى تعميق التعاون بين الدول المغاربية من خلال إتحاد المغرب العربي كما أعلنت الجزائر أيضا عن رغبتها في إعادة تفعيل الإتحاد ، ولذلك فقد أفرزت تداعيات الربيع العربي نوعا من الإرادة السياسية لقادة دول المنطقة و مدى وعيها بالتحديات الأمنية و الإقتصادية و السياسية و القيمية .
وبذلك أيضا هبت نسمات الربيع العربي باثار إيجابية في إحياء الإتحاد المغاربي و ذلك نتيجة التغيرات التي شهدتها الدول المغاربية حيث جعلت الدول المغاربية تدخل فضاءا للتفاعل السياسي و التعاون الإقتصادي مما هيئ مرحلة جديدة لإعادة إحياء إتحاد مغاربي تكون ملامحه أكثر وضوحا و أقرب الى الواقع ، كما فرضت على الدول الخمس في الإتحاد المغاربي الإلتقاء و البحث في ما يمكن عمله في مواجهة التحديات المستجدة .

جامعة الدول العربية :
قبل الثورات كانت إجتماعات جامعة الدول العربية بمثابة منتدى لقليل من الحوار و بعض من الدردشة و لكثير من الشجار و الإختلاف ، لكن عقب الثورات أفرزت رغبة للشعوب العربية في التقارب العربي وإنعاش النظام الإقليمي بضخ مزيد من الأكسجين للجامعة العربية التي ترقد في غرفة العناية المركزة منذ عقود ، و الدعوة الى إجراء عملية إصلاح شاملة لها ، ولذلك فقد خلقت ثورات الربيع العربي زخما تجاه قضايا حماية الأمن القومي العربي و زادت من إحساس المواطن العربي بأهميته ويمكن القول أن الربيع العربي قد وجه صفعة قوية لبيت العرب ووضع دوره وفعاليته على المحك وهو ما بدى جلياً في عدة ملامح تنصرف الى أن الثورات كشفت مقدار الجفاء بين الجامعة العربية و الشعوب العربية ، فلم تكن قضية الديموقرطية وحقوق الإنسان تتصدر أولويات و إهتمامات الجامعة و لم يكن بحوزة الجامعة من الأليات و الأدوات ما يساعدها على كبح جماح بعض الأنظمة القمعية .
لقد أعاد الربيع العربي تسليط الضوء مجددا على أحد المثالب الخطيرة في العمل العربي المشترك و هي الإستقواء بالخارج لحل المشاكل و تنامي إقبال بعض الدول العربية نحو التجمعات الإقليمية البديلة للجامعة العربية ، ولم تبين الجامعة أية مواقف إزاء ما جرى في تونس و من بعدها مصر أيضا ، بإستثناء تصريحات خجولة مفادها أن ما يجري شأن داخلي ، و إن كان قد طرأ تطور ملموس على أداء الجامعة بفضل تداعيات الربيع العربي .
مجلس التعاون الخليجي :  لقد إنعكست تداعيات الربيع العربي على تفاعلات دول المجلس و خياراته في علاقته مع القوى الإقليمية و الدولية التي تأثرت مصالحها هي الأخرى كثيرا بفعل هذه الثورات و تداعياتها ، كذلك تفاعل المجلس و دوله مع هذه التداعيات .
ومن ذلك إعطاء قدر أكبر من الإهتمام لمشروع مجلس التعاون الخليجي و تطويره و البحث عن حلفاء أو شركاء جدد ضمن إعادة ترسيم خرائط التحالفات وأن يكون لها دور أساسي .
ولذلك نجد أن تداعيات الربيع العربي على مستوى فعالية مجلس التعاون قد أحدثت مجموعة من التطورات على صعيد العلاقات التعاونية (العلاقات الثنائية) بتدافع المجلس لمعالجة الأزمة في البحرين و الدعم الكامل لها . وأما على مستوى التفاعلات الجماعية إنعكست على فعالية أداء الوظائف فكان التصدي الأمني و العسكري للأزمة في البحرين و الحرص على احتواء الأزمة في عمان عن طريق تقديم معونات مالية سخية .
الإتجاه الى توسيع عضوية مجلس التعاون الخليجي بضم كل من الأردن و المغرب في محاولة لتأسيس منظومة توازن قوى إقليمية جديدة . 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق