الاثنين، 16 نوفمبر 2015

دور الأمم المتحدة في إقرار حق الشعوب في تقرير المصير " دولة فلسطين نموذجاً "


على خلاف المبادئ الأخرى التي تحكم العلاقات الدولية كالمساواة و عدم التدخل ...إلخ ، فإن حق الشعوب في تقرير مصيرها موجه أساسا لجماعات لا تتمتع بالشخصية القانونية .
وبقي تطبيقه محدودا على الميدان الإستعماري و مشتقاته ، على الرغم من ظهور أوضاع جديدة ، مزقت دول وشعوبا مستقلة كان من اللائق تطبيق هذا المبدأ في حقها .[1]
إن العديد من المؤلفات الكلاسيكية لم تقم بدراسة عميقة لمبدأ الشعوب في تقرير المصير لأنه يعتبر أحدث المبادئ الأساسية للقانون الدولي ، وبالتالي فإدماجه في القانون الوضعي إرتبط على الخصوص بحركة التحرر من الإستعمار في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية .
كما أن مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير يحمل طابعا سياسيا خاصا ، فهو ينتابه غموض كبير في الكتابات الفقهية ، إذ لم يتم الحسم في أمره ، هل هو قاعدة قانونية وضعية أم مجرد مبدأ سياسي إرتبط بظاهرة حركة التحرر من الإستعمار وفقد أهميته وقيمته بعد زوال الأنظمة الإستعمارية ؟
وأثير نقاش فقهي حول إدراج موضوع حق تقرير المصير من ضمن مبادئ الميثاق ، فجانب من الفقهاء يرى أن تناول هيئة الأمم المتحدة لحق الشعوب في تقرير المصير ومنح الإستقلال للأقاليم المستعمرة يعد مساسا لمبدأ السيادة الوطنية وخروجا من جانبها على حكم المادة الثانية الفقرة السابعة من الميثاق ، التي تمنع على الأمم التدخل في الشؤون الداخلية ومساس السيادة الوطنية .[2]
وإتجاه آخر يعتبر أن تصفية الإستعمار و حق الشعوب في تقرير المصير يستحق أن يندرج ضمن مبادئ الميثاق ، وله مكانة خاصة في إختصاصات هيئة الأمم المتحدة ، إستنادا على نص المادة الأولى من الميثاق يحدد أهداف الأمم المتحدة ومن بينها أن تقوم الأمم المتحدة (بإنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس إحترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون منها تقرير مصيرها).[3]
لقد تم التأكيد على مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير لأول مرة بوضوح من طرف تصريح الإستقلال الأمريكي بتاريخ 4 يوليوز 1776 ، وذلك من خلال الإشارة إلى كون الناس خلقوا أحرارا وسيظلون أحرارا متساوين في الحقوق ، وأن القانون هو تعبير عن الإرادة العامة في الدولة ، و المواطنون جميعا لهم حق الإشتراك مباشرة أو بواسطة نواب عنهم في تكوين هذه الإرادة وعلى كافة التنظيمات السياسية التي تحافظ على الحقوق الطبيعة للإنسان.
كما أن إعلان الجمعية الوطنية الفرنسية الذي صدر بتاريخ 19 نونبر 1789 ، جاء فيه أن الجمعية تعلن "بإسم الأمة الفرنسية بأنها ستمنح الأخوة و الدعم لجميع الشعوب التي ترغب في إسترداد حريتها ، وتكلف السلطات بإعطاء الأوامر و التعليمات اللازمة لتقديم العون لهذه الشعوب و دفاعا عن المواطنين الذين أصابهم الأذى أو الدين يتعرضون للضرر من أجل قضية الحرية ".[4]
وخلال فترة الحرب العالمية الأولى ، كان لتصريح البنود الأربعة عشر للرئيس الأمريكي ويلسون الخاص بمبادئ التسوية السلمية دور فعال أيضا في إبراز مكانة حق الشعوب في تقرير مصيرها من أجل توطيد السلم داخل المجتمع العالمي ، ولو أن تصريح ويلسون لم يحمل إشارات واضحة ، بل كان يكتنفها بعض الغموض ، حيث إكتفى نص النقطة الخامسة بالسعي إلى حصول إحترام السيادة و مصالح الشعوب المستعمرة التي يجب أن تلقى أهمية مماثلة للمطالب العادلة للحكومات.
وقبل نهاية الحرب العالمية الثانية ، تم إصدار ميثاق الأطلسي في 14 غشت 1941 ، حيث تعهد الرئيسان الأمريكي و البريطاني روزفلت و تشرشل على أن يحترمون حق كل شعب في إختيار شكل الحكم الذي يريد أن يعيشه بكل حرية ، وأن يلتزمون بضمان السيادة و الممارسة الحرة للحكم إلى أولئك الدين حرموا منها بالقوة .[5]
تم جاء ميثاق الأمم المتحدة الذي أقره بشكل واضح بحق الشعوب في تقرير مصيرها ففي الفقرة الثانية من المادة الأولى من الميثاق ، على أن من مقاصد الهيئة " إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس إحترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب ، وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها ، وكذلك إتخاد التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام" .
وتعد إشارة ميثاق الأمم المتحدة إلى حق تقرير المصير من ضمن مقاصده و مبادئه أمرا في غاية الأهمية ، فهي المرة الأولى التي تم فيها النص على حق تقرير المصير في وثيقة دولية ملزمة قانونا، بل وتعتبر بمثابة الوثيقة الأولى في مجال القانون الدولي .
وكرر الميثاق في المادة 55 منه تأكيده على حق الشعوب في تقرير مصيرها ، بالنص على أنه " رغبة  في تهيئة دواعي الإستقرار و الرفاهية الضروريتين لقيام علاقات سلمية ودية بين الأمم مؤسسة على إحترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب و بأن يكون لكل منها تقرير مصيرها ".
وتشير كل من المادة 73 و 76 من ميثاق الأمم المتحدة بطريقة غير مباشرة إلى هذا الحق ، وإن كان مرتبطا بتلك الشعوب التي لم تحصل على إستقلالها بعد ، وهنا حيث نص الميثاق على أهم أهداف نظام الوصاية هو تهيئة الإقليم الموضوع تحت الوصاية و تطوير ه من أجل إعلان إستقلاله و تقرير مصيره .
ويلاحظ من خلال ما ورد في ميثاق الأمم المتحدة أنه لم يتم تعريف مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير و  تدقيق و تحليل مضمونه بعمق ، حيت تم الإكتفاء بالإشارة إليه بإيجاز شديد في باب مقاصد و أهداف الأمم المتحدة ، و يتبين أن المنظمة الأممية عجزت عن التوفيق بين إحترام سيادة الدول و ضمان حق الشعوب في تقرير المصير .
فالهيئة الأممية تفادت الجمع بين مبدأين متعارضين في ذات الوقت ، بين مبدأ حماية الوحدة الإقليمية و السيادة الوطنية للدول ، و مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير .
وتوالت جهود هذه الهيئة في سعيها لحماية حق تقرير المصير ، حيث طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من المجلس الإقتصادي والإجتماعي دعوة اللجنة المعنية بحقوق الإنسان داخل المجلس إلى تقديم الدراسات و الطرق و التوصيات التي من شأنها ضمان تمتع الإنسان و الأمم بحقها في تقرير مصيرها   "لقد أنشأت لجنة حقوق الإنسان من طرف المجلس الإقتصادي و الإجتماعي طبقا لما تنص عليه المادة 68 من الميثاق ، و تعتبر أهم الأجهزة المتفرعة عن المجلس الإقتصادي و الإجتماعي ، وتتكون من 43 دولة عضو منتخبة من المجلس لمدة ثلاث سنوات على أساس التوزيع الجغرافي ، حيث تجتمع اللجنة في دورة سنوية لمدة ستة أسابيع ويحضر جلساتها العلنية مراقبون من الدول الأعضاء في المنتظم الدولي وغير الأعضاء فيه ، كما يحضر إجتماعاتها كذلك المنظمات الدولية الحكومية غير الحكومية ".[6]
طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من لجنة حقوق الإنسان أن تعمل على إدراج حق تقرير الشعوب لمصيرها في العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية و السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية .[7]
وإعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن هذا الحق للشعوب وهو من الشروط الأساسية كي تتمتع تلك الشعوب بجميع حقوقها الأساسية ، ( حق البقاء – حق الدفاع الشرعي – الإستقلال و السيادة – حق تقرير المصير – حق المساواة – حق مزاولة التجارة العالمية – الحق في التنمية -  نقل التكنولوجيا ..)[8]
وأن على أعضاء الأمم المتحدة إحترام هذا الحق إمتثالا لما جاء في ميثاق الأمم المتحدة ،تم أصدرت الجمعية العامة بتاريخ 16 كانون الأول سنة 1952 ، توصية رقم 673 الذي إعتبرت فيه بمقتضاه حق الشعوب في تقرير مصيرها شرطا ضروريا للتمتع بالحقوق الأساسية جميعها ، وأنه يتوجب على كل عضو في الأمم المتحدة الحفاظ على تقرير المصير للأمم الأخرى و إحترامه .
وتمثل إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1960 بإصدار أهم التوصيات التي تتعلق بحق تقرير المصير[9] ، تحت إعلان منح الإستقلال للبلدان و الشعوب المستعمرة ، مع ضرورة تهيئة الظروف التي من شأنها إقامة الإستقرار و الرفاه ، وإقامة علاقات سليمة تقوم على أسس و مبادئ تساوي جميع الشعوب بالحقوق ، وحقها في تقرير مصيره ، ومراعاة حقوق الإنسان الأساسية دون تمييز بسبب العرق أو الجنس / اللغة  أو الدين .
مع التأكيد أن إخضاع الشعوب للإستعمار الأجنبي و سيطرته و إستغلاله يتناقض و ميثاق الأمم المتحدة وينكر حقوق الإنسان الأساسية [10]، ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي و تسعى بحرية إلى تحقيق نقص الإستعداد في الميدان السياسي أو الإقتصادي أو الإجتماعي أو التعليمي ، ذريعة لتأخير الإستقلال ، وأن يوضع حد لجميع أنواع الأعمال المسلحة أو التدابير القمعية الموجهة ضد الشعوب التابعة ، لتمكينها من الممارسة الحرة و السليمة لحقها في الإستقلال التام .
إن القراءة التحليلية للتوصية 1514 ، تدفع إلى القول بأن النص تضمن جانب واحد من تطبيق حق الشعوب في تقرير المصير ، وهو الذي يعالج حالة الشعوب التي تخوض كفاحا ضد السيطرة الإستعمارية و الإحتلال الأجنبي ، ذلك في نطاق ممارسة حقها في تقرير مصيرها الذي أقره ميثاق الأمم المتحدة .[11]
وفي المجال نفسه ، أصدرت الجمعية العامة بعدها التوصية رقم 1803 سنة 1982 ، حول السايدة الدائمة على الموارد الطبيعية ، وأن من حق الشعوب ممارسة حقها في السيادة الدائمة على ثرواتها و مواردها الطبيعية ، بما يتناسب مع المصلحة و التنمية القومية ورفاهية شعب الدولة المعنية ، وإعتبرت التوصية 1803 أن إنتهاك حق الشعوب في ثرواتها ومواردها الطبيعية منافيا كل من ميثاق الأمم المتحة ومبادئ ، ويشكل عائقا أمام التعاون الدولي و صيانة السلم .
كما صدر عن الجمعية العامة سنة 1970 التوصية رقم 2625 في الذكرى الخامسة و العشرين لقيام الأمم المتحدة ، المتعلقة بالعلاقات الودية بين الدول وفقا لمبادئ الميثاق ، والتي تعتبر تفسيرا رسميا لميثاق الأمم المتحدة .
حيث أن التوصية الأممية 2625 كرست محدودية إعلان 1514 الذي أغفل المظهر الداخلي لمبدأ حق الشعوب في تقرير المصير ، فالتوصية المذكورة تناولت هذا الحق في نطاق إحترام السيادة الوطنية و الوحدة السياسية للدولة .
أما بالنسبة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ، فقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة العديد من التوصيات التي تؤكد على حق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف وحقه في تقرير المصير ، ومنها التوصية 2628 سنة 1967 ، والتوصية رقم 2993 الصادرة في كانون الأول 1972 ، اللذان أعربت فيهما الجمعية العامة عن عميق قلقها لعدم السماح للشعب الفلسطيني بالتمتع بحقوقه غير القابلة  للتصرف ، وفي سنة 1975 إتخدت الجمعية العامة للأمم المتحدة توصيتها رقم 3376 التي أشادت باللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف ، والتي جاء فيه:
"تعرب عن تقديرها للجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف لما بذلته من جهود في أداء المهام التي أسندتها إليها الجمعية العامة ، وترجو من اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غبر القابلة للتصرف أن تبقى الحالة المتعلقة بقضية فلسطين قيد الإستعراض ، وأن تقدم تقريرا و إقتراحات في هذا الشأن إلى الجمعية العامة أو مجلس الأمن ، حسب الإقتضاء تأذن اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف أن تواصل بذل جميع الجهود للعمل على تنفيذ توصياتها ".[12]
وقد جاءت توصية الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3237 بتاريخ 22نونبر 1974 ، بشأن منح منظمة التحرير الفلسطينية مركز مراقب بالأمم المتحدة ، ودعوتها إلى الإشراك في دورات الجمعية العامة وفي أعمالها بصفة مراقب ، و الإشتراك في دورات كل المؤتمرات الدولية التي تعقد برعاية الجمعية العامة و في أعمالها بصفة مراقب ، وقد أصدرت الجمعية العامة ومجلس الأمن الدوليين العديد من القرارات و التوصيات التي تتعلق بالقضية الفلسطينية والتي تؤكد على أحقية الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وحقوقه غير القابلة للتصرف ، كان آخرها بالدورة السابعة و الستون للجمعية العامة ، إذ تؤكد من جديد حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير و الإستقلال في دولته على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 ، وتقرر أن تمنح فلسطين مركز دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة ، دون المساس بحقوق منظمة التحرير الفلسطينية المكتسبة و إمتيازاتها ودورها في الأمم المتحدة ، بصفتها ممثل الشعب الفلسطيني وفقا للقرارات و الممارسة ذات الصلة .[13]



 لبابة عاشور، العلاقات الدولية بين الإستقطاب الأحادي وتعدد الأقطاب ، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع ،الرباط ، الطبعة الأولى سنة 2002 ، ص : 88 .[1]
 نص المادة الثانية الفقرة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة :  [2]
 يونس البحيري ، نظام الأمم المتحدة في مواجهة تحولات الربيع العربي ، المطبعة و الوراقة الوطنية الداوديات مراكش ، ط الأولى 2012 ص129 .[3]
 يوسف البحيري ، مرجع سابق ، ص : 130 .[4]
 نفس المرجع ، ص : 132 .[5]
 عبد المجيد أسعد ، المشاكل السياسية الكبرى المعاصرة،دون دار ومكان النشر، الطبعة الثالثة 1995ـ1996 .ص:[6]
 ياسر غازي علاونه ،فلسطين و عضويتها كدولة في الأمم المتحدة ،الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ، سلسلة تقارير قانونية رقم 76 ،رام الله أيلول سبتمبر 2011 ص: 9 .[7]
 راجع سهيل حسين الفتلاوي ، القانون الدولي العام الجزء الثاني ، حقوق الدول وواجباتها ـدار الثقافة بيروت ط 1 سنة2007 من ص 28إلى 46[8]
 التوصية 1514 الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 14 ديسمبر 1960 .[9]
 ياسر غازي علاونه، فلسطين و عضويتها كدولة في الأمم المتحدة ، مرجع سابق ، ص: 10[10]
 يوسف البحيري ، مرجع سابق ، ص: 134 ، 135 .[11]
 موقع الأمم المتحدة الإلكتروني : تاريخ الولوج 15-5-2013 / 18:31 www.un.org [12]
    قرار الجمعية العامة بقبول فلسطين عضو مراقب بالأمم المتحدة تاريخ الولوج 15-4-2013/ 22:40 www.un.org [13]