الخميس، 30 أبريل 2015

السياسة الخارجية للمغرب في عهد الملك محمد السادس تجاه تجمع دول الساحل و الصحراء

تحظى العلاقات المغربية الإفريقية باهتمام مغربي خاص وذلك نظرا للمكانة التي تحتلها القضايا الإفريقية على مستوى اهتمام صانع القرار الخارجي المغربي؛ باعتبارها إحدى الدوائر الأساسية المكونة لمجال السياسة الخارجية المغربية (بالإضافة إلى الأوروبية والعربية الإسلامية و المغاربية ...). وهو اهتمام نابع من التزام صانع السياسية الخارجية المغربية تجاه القضايا الإفريقية، كما أن الأمر يعود إلى التصور الجديد للدبلوماسية المغربية المرتكز على تعميق علاقاته الدبلوماسية مع إفريقيا جنوب الصحراء ودول الساحل، حضور الشأن الإفريقي في القرار الخارجي المغربي يعود إلى الروابط التاريخية والثقافية التي تربط بينهما، بالإضافة إلى الهوية والانتماء الجغرافي والمصالح المشتركة، كما أنه يتأسس على قاعدة صلبة أساسها توطيد تعاون جنوب - جنوب في الإستراتيجية العامة للمملكة تجاه عمقها الاستراتيجي؛ وقد تعزز هذا التوجه العام في عهد الملك محمد السادس.
وفي هذا السياق يندرج تجمع الساحل و الصحراء، الذي جاء تأسيسه  كتفعيل للمادة 3 من ميثاق الإتحاد الإفريقي،  و كرد فعل في ظل المتغيرات الدولية المتسقة بتسارع مسلسل التكتلات الجهوية، و إحتدام التنافس بين القوى الكبرى، ثم صعود قوى مؤثر في الساحة الدولية، كما يندرج هذا التجمع في إطار التصدي للمعطيات السلبية التي تعيق المسار التنموي السلمي للقارة عن طريق الإستفحال المهول للمشاكل الأمنية.
وتبعا لذلك؛ فإن طبيعة تجمع الساحل و الصحراء تتجاوز ما هو إقتصادي، إلى ما هو سياسي، فبالرغم من إعلان الدول الأعضاء على أن نيتهم تتجه نحو تأسيس تجمع اقتصادي محض، يستهدف تطوير العلاقات الإقتصادية و التجارية بين أعضائه، ولذلك ما يظهر من خلال ميثاق التجمع، فإن النص على ضرورة إزالة جميع العوائق التي تحول  دون تطوير العلاقات الإقتصادية و التجارية بين الدول الأعضاء، يستهدف في العمق التوترات المحلية و البين دولية ذات الطابع الإثني و السياسي، ومن ثم جاز القول على أن تجمع الساحل و الصحراء ليس له طبيعة إقتصادية فحسب، بل كذلك طبيعة سياسية.
ولقد استفاد تجمع دول الساحل و الصحراء في تأسيسه من جملة العوامل المساعدة المحلية، منها؛ امتلاك دول التجمع لمقومات اقتصادية، سياسية و ثقافية مشتركة، حيث أن معظمها خضع للإستثمار، كذلك تشابه المشكلات و التحديات التي تواجهها تلك الدول، خاصة الفقر و الديون و الأمراض الفتاكة ثم تفشي مظاهر الفساد بكل أشكاله، و كذا التداعيات السلبية للعولمة، التي أصبحت تلزم الكيانات الصغيرة في عالم على الإتحاد في شكل جماعي و تضامني.
لقد كانت للمغرب منذ القديم روابط قوية مع جيرانه الأقربين. كما أنها امتدت عبر البحار إلى أوروبا و أمريكا و آسيا، وإذا كانت علاقات المغرب الدبلوماسية مع المجموعة الدولية قد عرفت مرحلة من التجميد إثر هيمنة السلطات الإستعمارية على السياسة الخارجية المغربية نتيجة توقيع عقد الحماية سنة 1912، وإلا أن تحقيق الإستقلال مكن المغرب من العودة إلى الواجهة بدبلوماسية أصيلة و حداثية تجد جدورها في تاريخ زاخر بالمنجزات و تستمد حداثتها من الإندماج في محيطها الإقليمي و من نسج أواصر التعاون مع كل أعضاء المجتمع الدولـــــــــــــــي.
وإنطلاقا من هذه المعطيات، يظهر أن الخلفيات التي دفعت المغرب للإنضمام إلى Cen-Sad ترتبط بشكل أساسي بالبعدين الإقتصادي، و الإستراتيجي/ السياسي. فعلى المستوى الإقتصادي تلوح في الأفق إرهاصات تطور الإهتمام المغربي بإفريقيا، على اعتبار أنها أضحت تشكل سوقا واعدة، بإمكانها أن تساهم في تقليل  ارتباط الإقتصاد المغربي بالأسواق الغربية بما لذلك من إيجابيات على تحول المغرب للعب دور الفعل في زمن العولمة الإقتصادية على الأقل داخل الأقطار الإفريقية. أما على المستوى الإستراتيجي/ السياسي، فإن الملف الأول الذي يشغل الدبلوماسية المغربية ( ملف الصحراء ) كان دافعا حاسما لإعادة الإنتشار الدبلوماسي  المعاصر، داخل القارة السمراء، و ذلك عبر الإندمجات الإقليمية ذات التوجهات الإقتصادية، التي تؤدي إلى تطور المصالح الإقتصادية، و التجارية المتبادلة فيما بين الدول المندمجة. وهو ما يساعد على تعمق التوافقات السياسية و الإستراتيجية، ومن ثم يحصل دعم متواصل لقضايا الدول المندمجة فيما بينها و الإقتصادية، ولعل هذا ما يحرك الدبلوماسية المغربية لربح رهان صحراءها.
لكن الإشكال الأساسي في علاقة المغرب بـــ Sen-Sad لعدد من الدول المناصرة للقضايا السياسية المغربية و خاصة ملف الصحراء، ومنها على سبيل المثال السنغال، و بوركينافاسو، إن مجمل هذه العوامل هي التي جعلت المغرب يعيد رسم و تحديد أهداف سياسته الخارجية داخل القارة الإفريقية لتأخذ طابعا شموليا و مركبا، يعتمد تطوير العلاقات الاقتصادية و الودية و التضامنية مع دول التجمع، لبلوغ مطامح تطوير العلاقات في كسب دعم الأفارقة لملف الصحراء المغربية، و تعويض الغياب عن ساحة الدبلوماسية الجماعية في إطار الإتحاد الإفريقي.
بيد أن الفوائد التي يمكن للمغرب أن يحققها من عضويته في تجمع دول الساحل و الصحراء، تصطدم بحجم العراقيل التي يواجهها في ذاته. حيث تعيش أغلب دول التجمع على وقع توترات سياسية، و نزاعات إثنية، داخلية و عبر الحدود، بالإضافة إلى التخلف الإقتصادي و الإجتماعي، و ضعف البنيات التحتية الأساسية لتطوير العلاقات الاقتصادية و التجارية، وما يزيد الطين بلة، هو غياب الإرادة السياسية، وعدم الاهتمام بلقاءات القمة التي يعقدها التجمع وخاصة اللقاء الأخير الذي انعقد بمدينة سرت الليبية سنة 2007، الذي لم يحضره أغلب زعماء دول التجمع، ومنهم ملك المغرب، بالإضافة إلى  حجم المشاكل التي يعيشها Sen – Sad  ، و قد يحمل على  الاعتقاد بأن هذه المنظمة الجهوية، لا تشكل أهمية ما بالنسبة للمغرب، على الأقل في ذاتها. إن هذه النتيجة المحتملة و التي تستخلص من قيمة التجمع و أهميته في ذاته قد تكون ضعيفة و تعبر عن مستوى الاحباط الذي ينتاب كل دارس للقضايا الإفريقية بصفة عامة، لذلك التفاؤل لمستقبل تجمع دول الساحل و الصحراء خاصة و أن أغلبية أعضائه مندمجين في إطار تجمعات و اتحادات إقتصادية أخرى وهو ما يؤدي إلى تشتت الأنظار مع ضعف الإمكانيات و البنيات الأساسية حتى و إن وجدت الإرادة السياسية.
إن هذا الفعل الغائي نفسه يرمي إلى كسب مزيد من العلاقات مع القوى الكبرى في إطار ترابط  للمصالح، ومن ثم يسهل الحصول على تأييدها للقضايا المغربية، و على إعتبار أن المصالح هي المحدد الثابت في صناعة القرار على المستوى الخارجي.
إن هذا المسار الاستراتيجي الذي يسلكه المغرب في علاقته بتجمع دول الساحل و الصحراء، إذا كان يرنو لحقيق مطامح ما بطرق ملتوية، فإن ذلك لا يؤشر إلا على الإرتباط الكبير للمغرب بالدول الكبرى، و هذا في الوقت الذي يعبر فيه عن تطلع المغرب لكسب تأييد و دعم القوى الكبرى، فقد يكون أيضا من بين العوائق التي يواجهها التجمع للاستقلال بذاته وإثبات حضوره على المستوى الدولي، ومن ثم يصير مجرد محطة ثانوية غير قابلة للتطور رغم اتساع رقعته الجغرافية.
 مهما يكن الأمر، فإن موضوع علاقة المغرب بتجمع الساحل و الصحراء يشكل أهمية قصوى في الوقت الراهن. وذلك لفهم الخلفيات التي تتحكم في السياسة الجهوية للمغرب في محيطه الصحراوي، في الوقت الذي تزايدت فيه موجة العولمة بمظاهرها المتعددة، و تسارعت فيه الخطوات نحو الاندماج و التكتل، وفي ظل ارتباط الاقتصادي بالسياسي، مع تطور إختراق الدول الكبرى للتجمعات الجهوية غبر نوافذ مختارة بإمعان.
وقد ملنا في هذا البحث المتواضع إلى الإعتماد لمجموعة من المناهج:
-        المنهج التحليلي لتحليل ورصد جميع مكونات عناصر الدراسة والإحاطة بمختلف جوانبها.
-        المنهج التاريخي لإبراز بعض المميزات والتفاصيل التاريخية في العلاقات المغربية بدول سين-صاد.
-        المنهج الإستقرائي من منطلق أن الموضوع يدرس العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف ضمن إطار زمني محدد.
-        المنهج النسقي بحكم أن الموضوع ييدرس التكامل والتساند بين عناصر النسق الدولي والنسق الإقليمي وتأثير ذلك على تفاعل المغرب ضمن علاقاته بالسين-صاد.
-        المنهج المقارن لإبراز مواطن الإختلاف والتشابه بين السياسة المغربية الإفريقية والسياسات الخارجية لبعض القوى الإقليمية التي هي محط تنافس الدبلوماسية المغربية في منطقة سين- صاد.
و تتمحور الإشكالية المركزية لهذا الموضوع حول:
رهانات و تحديات الدبلوماسية المغربية بمنطقة الساحل و الصحراء، في ظل مناخ جيوسياسي يعرف مسلسل من الإندماجات الإقليمية في إفريقيا.
وتتفرع عنها مجموعة من الأسئلة :
§    إلى أي مدى تؤثر التهديدات الموجودة في منطقة الساحل و الصحراء على الأمن القومي المغربي؟
§       ما هي المواقف المغربية تجاه مجريات الأمور في منطقة الساحل و الصحراء؟
§    لما نفسر فشل بعض الدول في المنطقة الساحلية الصحراوية في فرض النظام والقانون و الحد من مظاهر الإنفلات الأمني؟
§    هل يمكن الإعتماد على التدخل الخارجي للتصدي  لمثل هذه التهديدات العابرة للحدود أم أن التنسيق الإقليمي يبدو المقاربة الملائمة لمعالجة هذا الإنكشاف؟
§       مــــــــــا هي دوافع إنضمام المغرب لتجمع دول الساحل و الصحراء؟
§       مــــــــــا هي العراقيل و الصعوبات التي يواجهها المغرب داخل تجمع س ـ ص ؟
§       مـــــــــاذا حقق المغرب من خلال إنضمامه لهذا التجمع ؟
وتتمحور فرضيات البحث حول:
-        المغرب لا يمتلك منظورا واضحا لمصالحه الحيوية في منطقة الساحل والصحراء.
-    التهديدات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء وإمكانية توسعها إقليميا وحتى دوليا صعدت من اهتمام المغرب بالمنطقة.

كل هذه الأسئلة و الفرضيات سوف يتم الجواب عنها من خلال قسمين كبيرين؛ نتناول في الفصل الأول: مكانة منطقة الساحل و الصحراء في أولويات السياسة الخارجية المغربية، في حين نناقش في الفصل الثاني: البعد الأمني المغربي في منطقة الساحل و الصحراء.

الثلاثاء، 7 أبريل 2015

الحق الطبيعي

مقدمة:
يعتبر مفهوم الحق من المفاهيم الأساسية التي تداولها الفلاسفة منذ القدم، لارتباط إشكالية الحق بالهموم الإنسانية، ولمواكبتها للحياة السوسيو أخلاقية. ويبرز مفهوم الحق في المثل الشائع بدلالات متنوعة : فتارة يفيد معنى الحقيقة، وتارة أخرى يفيد معنى القسط أو النصيب (في الإرث مثلا). وقد يقصد بالحق الذات الإلهية أو إحدى صفاتها… وقد يعني أحيانا القانون أو التشريع الذي بموجبه ينصف الأفراد و تؤطر علاقاتهم مع بعضهم البعض …الخ. يلاحظ إذن أن مفهوم الحق يمتاز بتنوع دلالي في التمثل الشائع؛ حيث يتأرجح بين معان أنطولوجية، ومعرفية، وقيمة أخلاقية. أما من الناحية الإيتيمولوجية، فإن ما جاء في "لسان العرب" لابن منظور عن دلالات الحق، يبين أنه ليس هناك اختلاف كبير بين المعاني المعجمية لمفهوم الحق والمعاني المتداولة. ويلتقي أحد المعاني المعجمية العربية لمفهوم الحق مع التمثل المعجمي الفرنسي الأساسي، حيث يفيد الحق (Le Droit) لغة ما هو مستقيم ولا اعوجاج فيه. ويتوسع هذا المفهوم في الاصطلاح الفرنسي ليكتسي أبعادا قانونية وأخلاقية ؛ لأنه يفيد تارة ما هو قائم على برهان منطقي سليم، ويفيد تارة ما هو قائم على قاعدة أخلاقية أو قانونية يقوم سلوك الفرد… في الإطار الفلسفي تقلب مفهوم الحق بين معان متنوعة، تختلف حسب الأنساق الفلسفية والسياق التاريخي الذي كان أساس تداوله. فاتخذ معان أنطولوجية(أساسية وضرورية) يراد بها عادة كل وجود مطلق، كما اتخذ معان إبستيمولوجية يراد بها الحقيقة المطلقة. كما تم تداول مفهمو الحق بمعان أكسيولوجية باعتباره قيمة القيم. وفي عصر الأنوار أصبح الاهتمام بالحق كقيمة إنسانية على أساسها تبنى وتحدد كرامة الإنسان. وقد تنوع بعد ذلك تداوله في جميع مناحي الحياة الإنسانية، فاشتغلت به الفلسفة، والسياسة، والاقتصاد …الخ. وارتبط بمفاهيم فلسفية كالعدالة والحرية والواجب …الخ ؛ أي كل القيم التي بموجبها يمكن أن تتفاعل وتتحقق إنسانية الإنسان. ومن هذا المنطلق بالذات يقع اهتمامنا بمفهوم الحق، وسنحاول مقاربته كإشكالية أكسيولوجية نصوغها الصياغة التساؤلية التالية : هل يقوم الحق على أساس طبيعي في الإنسان ؟ أم على أساس ثقافي ؟ هل يستمد الحق قوته من الإكراه والإلزام ؟ أم أنه يستمد قوته من قيمته وسموه الأخلاقيين مما يجعل الناس يلتزمون به ؟  ـ الحق بين الطبيعي والثقافي قبل أن نتداول الأطروحات الفلسفية التي عالجت الحق في إطار الطبيعة والثقافة، نتساءل أولا : ما هو الطبيعي ؟ وما هو الثقافي؟ يحدد( ليفي ستراوس )الطبيعي في كل ما هو عام ومشترك بين أفراد النوع ؛ ويحدد الثقافي في كل ما يقوم على قاعدة ويتميز بالخصوصية ويشكل استثناء. فهل الحق ـ إذن ـ طبيعي أم ثقافي ؟ لقد كانت أطروحة "الحق الطبيعي" من أقدم الأطروحات في تاريخ الفلسفة. وتفيد هذه الأطروحة أن الحق الطبيعي أساسه القوة والعنف أو ما يصطلح عليه ب "قانون الغاب".
 المبحث الأول: مبادئ القانون الطبيعي.
إذا قلنا القانون الوضعي. فإننا نعني به ذلك القانون الذي وضعه المشرعون لينفذ على شعب معين في زمن معلوم. بينما حين نقول: القانون الطبيعي فإننا نقصد: ذلك القانون الّذي لم يشرعه البشر. وهو فوق قوانين البشر؛ وموجود في طبيعة الأشياء وفي فطرة الإنسان وإنما ينبغي على الإنسان أن يسعى لاكتشافه ليطبق قوانينه الموضوعية عليه.
ما هو هذا القانون الطبيعي وكيف يصبح ملزماً؟
هناك خلاف عريض في ذلك إلا انه منذ أقدم العصور ذهب الفلاسفة إلى وجود مثل هذا القانون (بالرغم من اختلافهم في طبيعته وفي تفاصيله). فقد بين سقراط وأفلاطون ذلك والمدرسة الرواقية رأت أن سعادة الإنسان تتمثّل في إتباع القانون الطبيعي، والعالمي، ولا بد أن تذوب الدول في حكومة عالمية واحدة تابعة لذلك القانون. حيث يكون كل فرد مواطناً لها. أما سيسرون، الفقيه القانوني في الإمبراطورية الرومانية، فقد اعتمد على القانون، والعدالة الطبيعية، واعتقد انه ذلك القانون الفطري في كل مكان وفي كل زمان. وان الذي يتمرّد عليه، فإنما يتهرّب من نفسه. وإنما تحترم القوانين الوضعية إذا تطابقت مع ذلك القانون الطبيعي.
وفي وحي الديانة المسيحية اعتقد توماس داكن ـ الفيلسوف المسيحي ـ على ثلاثة مصادر للقانون، الله والطبيعة والإنسان. وهذا شأن كثير من الفلاسفة المسلمين. حيث اعتبروا العقل مصدراً اعلي للتشريع لأنه يكتشف تلك القوانين العليا الموجودة في الطبيعة.
وهكذا قسّموا الأنظمة إلى نوعين، قوانين طبع، وقوانين وضع، والقسم الأول لا يتبدل باختلاف الأزمنة والأمكنة، بينما القسم الثاني الذي ينشأ من إنفاق طائفة من الناس، يختلف حسب الظروف وهي الأعراف والرسوم.[1]
وفي القرون الأخيرة: انتشر بين الفلاسفة، الرأي القائل بالقوانين، الطبيعية ولكن بفارقين هامين:
أولا: أنهم زعموا أن مصدر القانون الطبيعي هو العقل البشري،[2] نجد هذا القول مثلاً عند (غوسدورف) الفيلسوف الألماني و(ديكارت) الفيلسوف الفرنسي.
ثانياً: إن غاية هذا القانون حماية حقوق الإنسان (الفردية منها بالذات).
حسبما يقول (جون لوك) الفيلسوف البريطاني، أن القانون الطبيعي يفرض على الجميع احترام ثلاثة قيم : الملكية، الحياة، الحرية.
وهكذا انتشر مفهوم الحق الطبيعي قبيل القرن العشرين، إلى درجة جعل الجمعية الوطنية في فرنسا، تسجل في ديباجة الإعلان عن حقوق الإنسان، أن كل المآسي تنشأ من انتهاك الحقوق الطبيعية. وكرر مراراً القول عن الحق الذي لا يتبدّل باختلاف الزمان.[3]
والواقع: أن القانون الطبيعي لم يكن يعني ذات الحقيقة عند كل القائلين به. بل انه اختلف حسب الخلفيات الفلسفية لكل شخص أو لكل مدرسة.. فالقانون الطبيعي عند أفلاطون نشأ من نظريته في المثل. وعند أرسطو من فكرته العقلانية (ذات التوازن النسبي بين الحس والعقل، وبين المتغّيرات والثوابت) أما عند فلاسفة آخرين، فانه كان انعكاساً لإرادة الخالق وكذلك عند بعض الفلاسفة المسلمين، وسائر المتكلمين منهم.
وفي القرون الأخيرة، حدث أكثر من تطور في هذا القانون. ونشير إلى بعضها فيما يلي:
المطلب الأول: تطور القانون الطبيعي.
أولاً: لأن القانون الطبيعي قد وضع لمجتمع منظّم على أساس قبلي فانه لم يصمد ـ حسب رأي باوند ـ أمام تطور المجتمع واعتماده على أساس التنافس الفردي. وهكذا استفاد رجال القانون من غموض كلمة الحق التي جاءت في تفسير القانون الطبيعي (الحقوق الطبيعية) وطوّروا هذه الكلمة لتعني بعض الصفات الحسنة في الإنسان، والتي يمكن أن يصل إليها الإنسان بعقله، وهكذا استطاعوا أن يتهّربوا من جمود المبادئ الخالدة التي بشّر بها القانون الطبيعي. واعتقدوا بضرورة تطوير القانون حسب الحاجات المتغيرة التي يكتشفها الإنسان بعقله.
وفي ذات الوقت استطاعت هذه الفكرة ضبط التغيرات المختلفة للمبادئ الخالدة، التي بشّر بها القانون الطبيعي، والّذي أدى إلى ميوعة في وضع وتطبيق القوانين.
وحسب باوند، استخدمت هذه النظرية لتضع ضابطاً ضرورياً يكبح جموح النمو والتطور الذي حرّكته فكرة القانون الطبيعي.
ثانياً: وعندما واجه المجتمع الجديد في أميركا، والذي كان يعتزّ بحريته، واجه بعض الصعوبة في تطبيق مبادئ دستور أميركا، والتي عبرّت عن مبادئ القانون الطبيعي. لجأ القضاء إلى تفسير جديد للقانون الطبيعي (يختلف عن التفسير الأصلي له، والذي يعني المبادئ الخالدة) وقالوا أن المراد من الطبيعة هنا هو طبيعة الحكم، وان طبيعة الحكم في أميركا، تقضي تقليل سلطات الحكم عند الدولة إلى اقلّ قدر ممكن.
وحسب باوند: فالمسألة المطروحة أمام المحاكم كانت تتعلق، بما إذا كان التشريع المعروض أمام المحكمة، يتمشى مع مبادئ القانون الطبيعي، التي هي مواد جميع الدساتير، والتي تكمن في فكرة الحكومة، ذات السلطات المحدودة، التي يقيمها شعب حرّ ، ويضيف قائلاً: و بلغة القرن الثامن عشر يمكن القول: إن المحاكم الأميركية قد سعت لأن تجعل القانون الوضعي ـ والتشريع على وجه الخصوص ـ يعبر عن طبيعة المؤسسات السياسية الأميركية، فهي قد سعت لتغييره وإعطاءه الشكل الملائم بحيث يحقق الشكل الأمثل، للمجتمع السياسي الأميركي.[4]
ثالثاً: طبيعة الإنسان و إرادته الحرة والقانون الطبيعي تعبير عن هذه الإرادة. وهذا أعظم مبدأ في المبادئ الخالدة، هكذا تطور القانون الطبيعي ـ مرة أخرى ـ إلى ما يسميه (باوند) بالنظرية الميتافيزيقية والتي يمكن إقامة البرهان عليها وإثباتها ويضيف: القانون الطبيعي ما هو إلا تحليل نقدي مثالي للقانون الوضعي يمكن من خلاله وبواسطته ضمان هذه الحقوق على كمالها، فالتاريخ بموجب هذه النظرية، قد اظهر لنا فكرة الحرية الفردية وكيف حققت نفسها في المؤسسات والأحكام والمذاهب القانونية.
والفلاسفة الثلاث الذين بلوروا هذه النظرية في القانون الطبيعي هم (جون لوك) _1632-1704) البريطاني الذي يعتبر ملهم (جون جاك روسو) في نظرية العقد الاجتماعي.
و إيمانويل كانت (1724-1804) الذي قدم منهجاً لهذه النظرية، وأقام عليها أدلة فلسفية، وبالرغم من أن (كانت) اعبتر أباً للنظريات الوضعية والتجريبية، إلا انه ـ شخصياً ـ اعتبر من أصحاب النظرية الطبيعية في القانون، عندما نشر فكرة أصالة العقل، والتي بينّاها في مناسبة أخرى في هذا الكتاب.
أما الفيلسوف الذي اشتهرت نظرية العقد الاجتماعي باسمه فهو (جون جاك روسو)، السويسري، الذي أعطى لنظريات (جون لوك وإيمانويل كانت)، في القانون، وعلم السياسية، زخماً عاطفيا هائلاً.[5]
وقد اعتقد (جون لوك) أن الإنسان ـ بذاته ـ يميل نحو التطور والعدالة، وان مبادئ القانون الطبيعي، هي التي تمنعه من الاعتداء على الآخرين. وفي المجتمع الطبيعي ينفذ كل فرد تلك المبادئ بنفسه، ولكن الإستقرار لا يتحقق في ظلّ مثل هذا الوضع، إذ يسعى الكل، لكي يكون مشرعاً وقاضياً ومنفذاً للقانون، من هنا ينبغي أن يؤسس المجتمع المدني، لتحقيق العدالة، والذي يحتاج إلى اتفاق بين أبناءه، لكي يخول كل فرد صلاحيّته وحقوقه لأغلبية أعضاء المجتمع.[6]
وبما أن القانون الطبيعي جعل كل فرد حر فانّ هذه الحرية، لا تنتقل إلى السلطة بصورة مطلقة، ومن هنا فإذا خالفت أيّة حكومة هذا القانون الطبيعي، فإنها تفقد شرعيتها.
أما (كانت) فقد جعل الإنسان أصل القانون وجعل العقل هو الذي يكتشفه، ولكنه أكد أن العقل يحكم بالمبادئ الأخلاقية، والتي هي أيضا مبادئ سياسية، وهكذا يعتبر (كانت) مبادئ القانون، من البديهيات العقلية. التي يعرفها الإنسان بذاته، واعتبر الحرية هي من المبادئ الأساسية التي يعرفها العقل بذاته. ومن هنا فقد جعل أصل الدولة العقد الاجتماعي، وانطلاقاً من مبدأ الحرية جعل (العقد) أساس العلاقات الاجتماعية في القانون والحقوق المتبادلة بين الناس، وهكذا لا يأبه بالبحث عن عدالة العقود والاتفاقات القائمة بين الناس.
ويعتبر هذا الرأي أساس القوانين الغربية، بالرغم من بعض التعديلات التي جرت عليه في مواضيع الإكراه والعيب وما شابه.
وفيما يتصل بالعلاقات الدولية يرى كانت: أن الأمم لا تزال تعيش في أفق القانون الطبيعي الذي يعطي لكل امة حقوقاً لا تزول إلا بالحرب.
والفيلسوف السياسي المعروف «جون جاك روسو» استطاع ـ بقلمه الذي فاض حيويّة وعاطفة، أن يكرّس نظرية العقد الاجتماعي في عالم السياسة. ولم يكن يبحث عن مبادئ فطريته، بقدر ما كان يفتّش عن حكومة صالحة لتكريس تلك المبادئ، التي رأى الحرية أصلها. وقد انطلق (روسو) في نظريته السياسية، من مبدأ فطرة الحرية عند الإنسان، والتي لا يمكن التنازل عنها، فلا يمكن ـ مثلاً ـ أن يبيع شعب نفسه لملك جبار، لأن هذه الحرية عنوان إنسانية الإنسان، ومن هنا فيجب أن تؤسس شركة اجتماعية لإدارة الدول بصورة متساوية، لكي تنتقل حقوق الأفراد إلى شخصية معنوية (وليس إلى شخص معين) تتمثّل في حاكمية القوانين.
حقاً هذه النظرية نفعت الشعوب، ولكنها لم تعالج جذور المشكلة، إذ أن الجبابرة استفادوا حتى من هذه النظرية في التحايل على الناس وكسب أصواتهم لأهوائهم الذاتية.. [7]
المطلب الثاني: حق الطبيعي والقانون الطبيعي.
كان الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز من أبرز مؤسسي نظرية "الحق الطبيعي". لقد عرضها في كتابه الشهير "ليفياتان" Léviathan الذي ألفه سنة 1651. انطلق هوبز من فكرة جديدة هي ما عرف منذ ذلك الوقت بـ"حالة الطبيعة". وكما سبق أن ذكرنا في هذا المكان (عدد 16-11-2004) عند تحليلنا لظهور فكرة "العقد الاجتماعي"، فقد طرحت فرضية "حالة الطبيعة" لتأسيس ظاهرة الاجتماع البشري والتمدن الإنساني على أساس "معقول" يمكن أن يقدم للحاضر، من الماضي، ما يساعد على غرس وتجذير مفاهيم التحديث والتجديد في وعي الناس. ذلك لأنه بدون هذا النوع من التأسيس الذي "يَكتشِف" أو يسْتَنْبِت في التراث أسس تجاوزه الجدلي (الذي يعني النفي والإثبات، ثم نفي النفي والاحتفاظ بالإثبات بصورة جديدة) سيبقى مطلب التجديد والتحديث مطلباً طوباوياً في ذهن أصحابه. في هذا الإطار وظفت فرضية "حالة الطبيعة" كأرضية لهذا التأسيس. يعبر هوبز عن "جوهر حالة الطبيعة" بالقول:"الإنسان ذئب للإنسان"، بمعنى أن حالة الطبيعة التي كان الإنسان خلالها يعيش في حرية مطلقة هي حالة حرب دائمة بين الإنسان وأخيه الإنسان. والحق الطبيعي في هذه الحالة هو الحق في تلبية الرغبات وإشباعها. يقول هوبز:"إن الحق الطبيعي، الذي يسميه الكتاب عادة بالعدل الطبيعي naturel justice معناه: حرية كل واحد في العمل بكامل قوته، وكما يحلو له، من أجل الحفاظ على طبيعته الخاصة، وبعبارة أخرى على حياته الخاصة، وبالتالي القيام بكل ما يبدو له، حسب تقديره الخاص وعقله الخاص، أنه أنسب وسيلة لتحقيق هذا الغرض.
هذا عن "الحق الطبيعي"، وهو غير "القانون الطبيعي". و"هوبز" يميز بينهما تمييزاً حاسماً حيث يقول:أنا لا أعني بكلمة "الحق" Right شيئاً آخر سوى الحرية الممنوحة لكل إنسان لكي يستخدم قدراته الطبيعية طبقاً للعقل السليم. ومن ثم فإن الأساس الذي يرتكز عليه الحق الطبيعي هو التالي: كل إنسان لديه القدرة والجهد لحماية حياته وأعضائه. وما دام لكل إنسان الحق في البقاء فلابد أن يمنح أيضاً حق استخدام الوسائل، أعني أن يفعل أي شيء، بدونه لا يمكن أن يبقى. [8]
ومن هنا كانت الحقوق الطبيعية للإنسان أربعة: حق البقاء أو المحافظة على الذات. الحق في استخدام كافة الوسائل التي تؤمن الحق السابق (حق البقاء). حق تقرير أنواع الوسائل الضرورية التي تكفل حق البقاء ودرء الخطر. حق وضع اليد على كل ما تصل إليه (اليد):"لقد منحت الطبيعة كل إنسان الحق في كل شيء ولذلك فمن المشروع لكل إنسان أن يفعل أي شيء يساعده على البقاء".
هذا عن "الحق الطبيعي". أما "القانون الطبيعي" فهو قانون، بمعنى أنه قاعدة من صميم العقل البشري، يمنع الناس من القيام بما يقودهم إلى الهلاك الذي لابد أن يجرهم إليه تمسك كل منهم بحقوقه كاملة. يقول هوبز: ينبغي مع ذلك التمييز بين الحق والقانون، ذلك أن الحق يعتمد الحرية، حرية المرء في أن يفعل فعلا ما، أو يمتنع عن فعله. أما القانون فهو الذي يرتبط بواحد منهما دون الآخر، (أي بالفعل أو الامتناع عن الفعل)، فهو الذي يحدد ويعين. ومن ثم فالقانون والحق يختلفان اختلافاً كبيراً مثلما يختلف "الإلزام" obligation و"الحرية"liberty من حيث إنهما يتناقضان في الموضوع الواحد.
"الحق الطبيعي"، الذي تعطيه الطبيعة، يعطي الإنسان كل شيء. أما "القانون الطبيعي"، الذي يصدر من طبيعة عقل الإنسان نفسه فهو يعَيِّن ويحدد الطريقة الأكثر ملاءمة للحفاظ على الحقوق الطبيعية وعلى رأسها حق البقاء. إن العقل يملي على الإنسان فكرة على درجة كبيرة من الأهمية، فكرة التنازل عن حقه الطبيعي الذي يعني حرية التصرف بدون قيود، والدخول مع الآخرين في حال من السلم، قوامها الكف عن الاقتتال والتحرر من الخوف. هذا التنازل عن "الحق الطبيعي" هو أساس الدولة. هو العقد الاجتماعي الذي يجعل قيام الدولة ممكناً.[9]
كما سنعرض موقف (طوماس هوبز) الذي سنلمس فيه كل ما سبق وذكرناه عن الحق الطبيعي و القانون الطبيعي: يقول تنشأ الدولة نتيجة تعاقد إرادي وميثاق حر بين البشر حيث انتقلوا من حالة الطبيعة ( حالة حرب الكل ضد الكل) إلى حالة مدنية ودلك بتنازل كل الأفراد عن قسط من حرياتهم وعن ما يملكون من قوة وسلطة لصالح رجل واحد أو مجلس واحد يخضع له كافة أفراد المجتمع ويتمتع بسلطة مطلقة تمكنه من الحفاظ على بقاء الإنسان وتحقيق الأمن و السلم الاجتماعيين.
من الفلاسفة الذين وظفوا فكرة "الحق الطبيعي" الفيلسوف الهولندي الشهير باروخ سبينوزا (1632-1677). لقد ألف هذا الفيلسوف كتاباً مهماً بعنوان "رسالة في اللاهوت والسياسة"، شرح مضمونها بقوله: وفيها تتم البرهنة على أن حرية التفلسف لا تمثل خطراً على التقوى (الدين) أو على سلامة الدولة، بل إن في القضاء عليها قضاءً على سلامة الدولة وعلى التقوى ذاتها في آن واحد. 
أما الغرض من الرسالة فقد حدده في شيئين اثنين: أولا، "الفصل بين الفلسفة واللاهوت (الدين) وبيان أن اللاهوت يترك لكل فرد "حرية التفلسف"، حسب عبارة سبينوزا نفسه. وهنا، مع هذا الفيلسوف الهولندي الذي عاش في القرن السابع عشر، نلتقي مع الفكرة نفسها التي دافع عنها ابن رشد قبل ذلك بخمسة قرون في كثير من كتبه، فكرة الفصل بين الدين والفلسفة.
ثانياً، "معالجة الأسس التي تقوم عليها الدولة". وهذا ما يهمنا هنا، لأنه في هذا المجال بالذات يوظف هذا الفيلسوف فكرة "الحق الطبيعي الذي لكل إنسان بغض النظر عن الدين والدولة". ويعني:"بالحق الطبيعي وبالتنظيم الطبيعي مجرد القواعد التي تتميز بها طبيعة كل فرد، وهي القواعد التي ندرك بها أن كل موجود يتحدد وجوده وسلوكه حتمياً على نحو معين". ولما كان القانون الأعظم للطبيعة هو أن كل شيء يحاول بقدر استطاعته أن يبقى على وضعه، وبالنظر إلى نفسه فقط، دون اعتبار لأي شيء آخر، فينبني على ذلك أن يكون لكل موجود حق مطلق في البقاء على وضعه، أي في أن يوجد ويسلك كما يتحتم عليه طبيعياً أن يفعل". ويضيف سبينوزا:"وفي هذا الصدد لا نجد فارقاً بين الناس والموجودات الطبيعية الأخرى، أو بين ذوي العقول السليمة ومن هم خلو منها، أو بين أصحاء النفوس القوية والأغبياء وضعاف العقول. والواقع أن كل من يفعل شيئاً طبقاً لقوانين الطبيعة إنما يمارس حقاً مطلقاً لأنه يسلك طبقاً لما تمليه عليه طبيعته ولا يمكنه أن يفعل سوى ذلك.[10]
فبقدر ما ننظر إلى الناس على أنهم يعيشون تحت حكم الطبيعة وحدها نجد أن لهم جميعاً وضعاً واحداً: فمن لم يعرف العقل بعد، أو من لم يحصل بعد على حياة فاضلة، يعيش طبقاً لحق مطلق خاضع لقوانين الشهوة وحدها، شأنه شأن من يعيش طبقاً لقوانين العقل. وكما أن للحكيم حقاً مطلقاً في أن يعمل كل ما يأمر به العقل، أي أن يحيا طبقاً لقوانين العقل، فإن للجاهل، ولمن هو خلو من أية صفة خلقية، حقاً مطلقاً في أن يفعل كل ما تدفعه الشهوة نفسها نحوه، أي أن يعيش طبقاً لقوانين الشهوة" (لاحظ كيف تطورت فرضية "حالة الطبيعة" مع سبينوزا إلى فكرة "الحق المطلق").
وهذا لا يعني أن سبينوزا يدعو الناس إلى العيش حسب طبيعتهم وحدها دون اعتبار لما تمليه عليهم عقولهم. كلا. إنه يؤكد:"أنه يظل من الصحيح دون شك أن من الأنفع للناس أن يعيشوا طبقاً لقوانين عقولهم ومعاييرها اليقينية لأنها، كما قلنا، لا تتجه إلا إلى تحقيق ما فيه نفع حقيقي للبشر. وفضلا عن ذلك فإن كل إنسان يود العيش في أمان من كل خوف بقدر الإمكان. ولكن ذلك مستحيل ما دام كل فرد يستطيع أن يفعل ما يشاء وما دام العقل لا يعطي حقوقاً تعلو على حقوق الكراهية والغضب. والواقع أنه لا يوجد إنسان واحد يعيش دون قلق وسط العداء والكراهية والغضب والمخادعة، ومن ثم لا يوجد إنسان واحد لا يحاول الخلاص من ذلك بقدر استطاعته".
كيف يمكن الخلاص من حال العداء والكراهية التي قد تنجم عن عمل كل فرد طبقاً للحق الطبيعي؟ يجيب سبينوزا:"...لنلحظ أن الناس يعيشون في شقاء عظيم إذا هم لم يتعاونوا، إذا هم ظلوا عبيداً لضرورة الحياة ولم يعملوا على تنمية عقولهم… ومن ثم يظهر لنا بوضوح تام أنه لكي يعيش الناس في أمان، وعلى أفضل نحو ممكن، كان لزاماً عليهم أن يسعوا إلى التوحد في نظام واحد (الدولة)، وكان من نتيجة ذلك أن الحق الذي كان لدى كل منهم على الأشياء جميعاً، بحكم الطبيعة، أصبح ينتمي إلى الجماعة ولم تعد تتحكم فيه قوته أو شهوته بل قوة الجميع وإرادتهم".[11]


المبحث الثاني: نقد القانون الطبيعي.
القانون الطبيعي مرادف للقانون الأخلاقي. وللإيمان بعقل الإنسان، كإنسان، بعيداً عن الفوارق العرقية أو الطبقية أو حتى التفاضل العلمي. وبهذا يحقق ـ آو طبق ـ أعظم انجاز إنساني، ومعروف: أن الوحي الإلهي نزل على رسل الله سبحانه، لكي يعيد الإنسان إلى فطرته أيّ عقله.
ولكن القانون الطبيعي ـ الذي يعبر عن تلك المثل العليا والمبادئ الخالدة ـ قد يتعرض لعملية الخلط، فيسوء استخدامها، كما نجد عند (هوبز)، الذي اعترف بالعقل الكلي، الذي يوجد في زعمه عند الدولة (عقل الدولة)، وكذلك عند (هيجل)، الذي نادى بتأليه الدولة، وهكذا المادية التاريخية التي نجدها عند (كارل ماركس).[12]
ومن هنا فان القانون الطبيعي، يجب أن يظل بعيداً عن الخلط، لكي يقوم بدوره في تمييز العدل الحقيقي عن العدل المزيّف، وحسب ما يقوله د. تناغو: حتى تظلّ نظرية القانون الطبيعي سالمة من كل انحراف، فيجب تحاشي كل خلط بين العقل الخالص، وبين أي عمل إنساني معين بالذات. سواء كان عقل المشرع في أي دولة، أو في الدولة السائدة، أو عقل أحد الفلاسفة، أو عقل أحد المفسرين للعقائد الدينية أو السياسية.
وقد بحثنا في الجزء الأول من هذا الكتاب: أن العقل هو ضمان فهم الحق، ووعي الوحي واستقامة الحياة، وان الرسالة الإسلامية جاءت لإيقاظ العقل البشري من سباته كما وأنها، جعلته شاهداً على تفاصيل الشريعة.
ولكن الإيمان بالقانون الطبيعي لا يكفي لفهم سائر معطيات القانون وذلك لسببين:
أولا: إن القانون الطبيعي هو جملة من المبادئ الخالدة، التي يختلف فيها الناس، وقد اختصرتها المدرسة الطبيعية الحديثة، حتى وضعتها في بضع كلمات، وحسب د. «كاتزويان» لقد تركت المذاهب (الفلسفية) في القرن العشرين التطلّعات السامية، وحدّدت القانون الطبيعي في بضع قواعد عامة، واعتبرت سائر القواعد الحياتية عرضه للتغيير حسب التطورات الاجتماعية.
وهي: القواعد التي يعترف بها الذوق السليم، والعقل، مثل احترام الحياة والحرية والكرامة واعتبرت هذه المبادئ مقبولة عقلياً ونافعة للحاجات الاجتماعية.
أما الأستاذ (لوفور) الفرنسي، فقد حددها في ثلاث قواعد رئيسية: احترام الاتفاقات التي عقدها الإنسان بحريته. وحد الأضرار الناتجة عن فعل الإنسان واحترام القوى الاجتماعية.[13]
بينما نجد (استامر)، الفقيه الألماني يرى، العدالة المبدأ الأساسي، ولكنه يعتقد بأنها تختلف حسب الظروف، ويرى أن كل مجتمع بحاجة إلى أمرين: قواعد لاحترام حقوق الآخرين. وقواعد للتعاون، وان تحقيق هذين الهدفين، يختلف حسب اختلاف الزمان والمكان، ويرى: إن المبادئ التي زعم الفلاسفة أنها خالدة ليست كذلك. وإنما هي متغّيرة حسب الظروف بلى الخالد هو العدالة والتطلّع لتحقيقها والتي يورث في كل مجتمع نوعاً من القوانين المناسبة.
وعند (برجسون) الفيلسوف الفرنسي، الذي جدّد ذكريات نظريات الإشراق، يتخذ المذهب الطبيعي شكلاً جديداً، حيث يعترف بدور أساسي للعقل، ولكن حسب منهجه في الاستفادة منه فان العقل البشري جزء من النشاط الحيوي فوق المادي للإنسان، وإنما يعرف العقل الحقائق بالاندماج بها وبطريقة الاستبطان.
وعند (برجسون) هناك أنظمة وعادات وأعراف تتصل بالجانب المادي من الإنسان وهو الجانب الأدنى من العقل عنده.[14]
ويعتقد (برجسون) الذي سمّيت فلسفته بفلسفة الحياة، لأنه اعتبرها جوهر الوجود، يعتقد: إن المجتمع هو مصدر القسم الثاني من الأخلاق (الأدنى من العقل) والأخلاق بهذا المعنى هي مجموعة من العادات تمكن مقارنتها بغرائز الحيوانات؟ لأن أفراد المدينة يتماسكون كالخلايا في الجسم الواحد.
أما أساس القسم الأول من الأخلاق فهو الحدس والانفعال الخلاّق لمؤسّسي ومصلحي الأديان والمتعبّدين الغامضين والقدّيسين، وهؤلاء يقومون باختراع الفنان. وهذا النوع من الأخلاق إنساني عالمي وليس فقط اجتماعياً خاصاً بجماعة معينة.
وبالرغم من أن نظرية (برجسون) الحيوية، التي اتبعها جمع كبير من فلاسفة القانون، اعتبرت من النظريات المخالفة للمذهب الطبيعي، إلا أنها أيدت ـ بطريقة مختلفة ـ نتائج هذا المذهب، وهو وجود مبادئ عليا، يمكن للإنسان أن يكتشفها بطريقة الإشراق، وهي عامة لكل البشر.
واعتقد أن نظرية (هيسول) الأماني، التي سميّت بفلسفة الجوهر، هي الأخرى تنتهي إلى ذات النتيجة مع بعض الفروق. فان القيم عنده موجودة في عالم علوي يسمّيه بـ(مملكة القيم) والناس لا يتساوون في الاستلهام منها، لان بعضهم اقدر من بعض في وعي تلك القيم (والاتصال بتلك المملكة العليا)، وان وجود تلك القيم لا يرتبط بوجود الإنسان، بل هي خالدة في مكانها.
ولكن (هيسول) يرى بأن هناك فارقاً بين القيمة الأخلاقية، وبين الأمر المستمد منها، فبينما الأولى أبدية خالدة، فان الثاني يمكن أن يتغير بحسب الظروف، وبحسب قدرة الإنسان على الوصول إلى مملكة القيم.[15]
وهكذا ـ حسب د. تناغو ـ فان فلسفة الجوهر تتّفق مع نظرية القانون الطبيعي في أن الأخلاق أبدية خالدة، ولكنها ترفض ما تقوله نظرية القانون الطبيعي من أن الأخلاق إنسانية عقلية عالمية.
وأنّى كان فان القانون الطبيعي، يفرض نفسه بين الحين والآخر بطريقة جديدة، وعبر فلسفة أخلاقية متميزة. واليوم وبعد تعرّضت هذه النظرية لكثير من الهمجات من قبل المدرسة الوضعية. لا تزال نظرية القانون الطبيعي تبدو صامدة. بالرغم من أنها قد تقلّصت كثيراً وحسب ما يقول هنري باتيفول: إن أشهر رجال القانون المدني الفرنسيين في القرنين التاسع عشر والعشرين، أمثال: اوبري، ورو، وبووان، وبلا فيول، وكولان، وكابيتان، قد تمسّكوا بهذا الحل الوسط (إن القانون الطبيعي يستطيع على الأقل، أن يقدم المبادئ العامة التي تتكيّف نتائجها مع حاجات الزمان والمكان).
كان القانون الطبيعي ملاذاً للمفكرين الأحرار عندما ابتلي الناس بدول ديكتاتورية ظالمة. لكي يوفّروا للناس شرعية الثورة ضد القوانين الجائرة. حيث أن النتيجة الطبيعية للاعتراف بالقانون الطبيعي، تتمثل في شرعية التمرد على أي قانون موضوع لا يتفق ومبادئ القانون الطبيعي (من العدل والحرية) وهكذا رأينا كيف انتشرت نظرية القانون الطبيعي في القرن العشرين بالرغم من انتقاد المدرسة الوضعية لها في القرن التاسع عشر. وذلك من اجل مقاومة الحكومات الفاشية والنازية وسائر الدول الديكتاتورية الناشئة في العالم يومئذ.[16]
وفي العالم الإسلامي، كانت المذاهب العدلية عبر التاريخ والتي آمنت بالقانون الطبيعي، وبالمبادئ الخالدة التي تبشّر بها الشرائع الإلهية ويستطيع العقل وعيها. كانت هذه المذاهب (الإمامية ـ المعتزلة) ترى شرعية الثورة ضد الدول المستبدة، بينما سائر الفرق الإسلامية، التي لم تعترف بالمبادئ العقلية كانت تهادن هذه الدول عادة.
المطلب الأول: انتقادات موجهة لمبادئ القانون الطبيعي.

وكشأن كافة القضايا التي تتقاطع فيها النسبيات بالمطلقات كان ولابد أن يخضع طرح القانون الطبيعي للنقد فطوال القرن التاسع عشر تعرض لهجوم عنيف شكك في صحة فحواه وكان في مقدمة مهاجمي مذهب القانون الطبيعي أصحاب المذهب التاريخي الذين استندوا في حججهم على الواقعية ومن هذه الانتقادات ما يلي:
* إن القول بفكرة الخلود والثبات التي يتميز بها القانون الطبيعي في منطق أنصاره هو قول غير صحيح يكذبه الواقع وينفيه التاريخ فالقانون وليد البيئة الاجتماعية وحدها وهي متغيره في الزمان والمكان فمن غير المعقول أن يثبت القانون على حال واحدة.
* أما القول بان العقل البشري هو الذي يكشف عن قواعد القانون الطبيعي فان ما يترتب عليه هو اختلاف هذه القواعد باختلاف الأشخاص الذين يستخلصونها بعقولهم ومن ثمة تختلف قاعدة القانون الطبيعي من شخص إلى أخر في مسالة واحدة.
* فيما يخص النزعة الفردية التي ألزمت مذهب القانون الطبيعي طوال القرنين السابع عشر والثامن عشر والتي تأكدت في عهد الثورة الفرنسية ووجدت طريقها إلى معظم نصوص "تقنين نابليون" وكذا إعلان حقوق الإنسان التي أبرزت ودعمت هذه النزعة التي ترى بان المجتمع يعمل على كفالة يتمتع بها دون أن ينقص منها أو يقيدها.[17]
هذا الاتجاه النقدي يذهب إلى أن القول بوجود قواعد ثابتة خالدة لا تتغير بتغير الزمان أو المكان لم يثبت من الناحية التاريخية، ورواد المدرسة التاريخية القانونية مثل "سافني" يرون أن القانون هو تعبير عن روح كل شعب وانعكاس لعبقريته الخاصة ولا يجوز بالتالي أن نقيد قواعد القانون الوضعي في دولة معينة بمبادئ ثابتة خالدة بحجة أن تلك المبادئ تنتمي إلى القانون الطبيعي.
ويرى فريق ثالث أن مبادئ القانون الوضعي لا جدوى منها من الناحية العملية فالتسليم بجدواها يقتضي ترتيب بعض النتائج التي تكفل لتلك المبادئ قدرا من الفعالية فقد كان يتعين من ناحية أن نفرض على الدولة واجب احترام القانون الطبيعي كما يجب من ناحية أخرى أن نعترف للأفراد بقدرة مخالفة القاعدة القانونية الوضعية أن خالفت قواعد القانون الطبيعي وهنا نسجل أن التاريخ يثبت لنا أن أي مجتمع سواء إن كان عربي أم غربي لم يتوصل إلى إقرار هاتين النتيجتين بطريقة محددة.
ويبقى الإشارة إلى انه من بين المآخذ على نظرية القانون الطبيعي أن مبادئها اتخذت منطلقا للنزعة الفردية وقد أدى ميلاد الفكر الاشتراكي الحديث إلى مهاجمة الفلسفة الفردية وبالتالي إلى مهاجمة نظرية القانون الطبيعي فقد اتجه الفكر الاشتراكي إلى تغليب مصلحة الجماعة على المصلحة الخاصة لكل فرد من أفراد الجماعة.[18]
المطلب الثاني: المضمون المتغير للقانون الطبيعي.
أدت الانتقادات الموجهة إلى مذهب القانون الطبيعي إلى إضعافه وكادت أن تهجر هذه الفكرة طوال القرن التاسع عشر ولم تبعث من جديد إلا بعد بداية القرن العشرين ونهاية القرن التاسع وفي سبيل إحياء القانون الطبيعي ظهر اتجاه القانون الطبيعي ذو المضمون المتغير بزعامة الفقيه الألماني "ستاملر" وقوام هذه النظرية أن هناك إطارا ثابتا للقانون الطبيعي يتمثل في فكرة العدل الاجتماعي وهذا إطار ثابت وخالد في الزمان والمكان لأنه قائم في ضمير الإنسان منذ الأزل أما مضمون هذا الإطار هو الذي يختلف من مكان إلى مكان ومن زمان إلى أخر.
كان لابد إذن من تخلص القانون الطبيعي من الانتقادات والتناقض الموجه إلى قواعده فكان الفقيه "ستاملر" أن قام بالجمع بين الخلود والتطور في فكرة القانون الطبيعي في ما اسماه "القانون الطبيعي بالمضمون المتغير" ومضمون هذه الفكرة أن جوهر القانون هو مثل أعلى للعدل خالد ومتغير في نفس الوقت فهو خالد في فكرته متغير في مضمونه.
وينبني على ما سبق أن نظرية القانون الطبيعي ذات المضمون المتغير قد حاول التوفيق بين الخلود والعموم من ناحية وحقيقة التطور التاريخي من ناحية أخرى يضاف إلى ذلك أن الإطار الثابت للعدل يتحدد وفقا لهذه النظرية الجديدة بمجموعة من المبادئ القليلة التي لا تصلح في حد ذاتها للتطبيق العملي وإنما تقف فقط في دور الموجه العام التي يلتزم بها واضع القانون عند إعداد قواعده ومن قبيل ذلك وجوب احترام حقوق الإنسان والمحافظ على أمنه وتحقيق المساواة بين الأفراد.[19]
وقد اعتنق هذه الفكرة الفقيه الفرنسي سالي ويتمثل جوهر هذه النظرة الجديدة في أن فكرة العدل في ذاتها خالدة أبديه وجدت في ضمير الإنسان على مر العصور وستظل إلى الأبد وهو أمر لا يتغير وبهذا تعتبر فكرة العدل الإطار الثابت والدائم للقانون الطبيعي أما الذي يتغير فهو مضمون هذا العدل وطريقه تحقيقه فهو مرهون بظروف الحياة الاجتماعية التي تختلف من مكان إلى مكان ومن زمان إلى أخر.[20]
خاتمة:
إن مفهوم الحق الطبيعي و القانون الطبيعي عند قدماء اليونانيين عندما اختلف
الناس حول القوانين الوضعية وتساءلوا عن عدالتها،بل عربوا عن تحفظهم عليها،فاستعانوا بمفهوم يفوق القوانين الوضعية ويعلوها،فكان مفهوم (الحق الطبيعي،le droit naturel) الذي يعني السعي نحو عدالة أعظم وأسمى.وأشهر مثال على اللجوء إلى الحق الطبيعي هو مثال (أنتيجونantigone) الذي روته مأساة (سوفوكليسsophocle) المشهورة.أنتيجون هي ابنة أوديب ،وقد تحدت آمر عمها ملك ثيبة بعدم دفن جثمان آخيها يولينيس،وقامت بدفنه معتمدة على حقها الطبيعي في ذلك،فحكم عليها عمها بالإعدام.وعبّر مفهوم (الحق الطبيعي) عن القيم الأساسية ومتطلباتها الضميرية،تلك القيم التي يعترف بها الجميع،وبالتالي عنى به تلك الشريعة التي تفوق القوانين الوضعية السارية في المدن اليونانية.
وعند هذا الحد لم يكن قد اتضح مفهوم الحق الطبيعي العام والشامل،حتى ساهمت الفلسفة الرواقية بدورها الهام في نشأته وبلورته.فقد عرفت الفلسفة الرواقية الحق الطبيعي بأنه شريعة غير مكتوبة ،إلهية وأبدية،وتدل على تطلب مطلق للعدالة.وفي هذا الإطار ،تكمن حرية الإنسان في الخضوع لهذا الحق،وبالتالي يتحول السلوك الأخلاقي إلى مجهود داخلي يقوم به الإنسان للتحكم في الذات بدون أن يأخذ بالاعتبار الظروف التاريخية والثقافية والسياسية التي يحياها في مجتمعه ،بموجب كون الحق الطبيعي أبديا وعاما، وغير نتبدل ولا متغير ،هو هو في كل مكان وكل زمان.

أصبح اعتماد الفكر الليبرالي لمفهوم الحق الطبيعي ما يؤسس مسؤولية الإنسان في بناء عالم إنساني ،ويعني الاعتراف بأن المبادئ الأولى والقواعد الأساسية التي يعتمد عليها السلوك الأخلاقي تتفق مع العقل البشري وتهدف إلى خير الإنسان.ومن ثم فإننا نبتعد عن فكرة الإرادة الإلهية (((المزاجية))) التي تستوجب الطاعة بدون فهم وننأى عن الفكر الذي عرضته الفلسفة اليونانية من خضوع الإنسان إلى ناموس ابدي ثابت.
ويعني هذا أن الإنسان هو الذي يقرر القواعد الأخلاقية التي توجه السلوكيات الفردية والاجتماعية ،وتلك القواعد تنضج وتتطور مع التطور الإنساني ،وتسمح للإنسان العاقل بتنظيم حياته الفردية والاجتماعية ،وتعضيد الكرامة والعدالة الإنسانية.
وبتعبير آخر ،فالاعتراف بالحق الطبيعي هو اعتراف بأن الإنسان،بل وكل إنسان قادر على معرفة الخير وتحقيقه،دون وصاية من احد،

الحق الطبيعي ،حقنا الذي أعطتنا إياه ،الطبيعة،والله،وسلبته مننا الحكومة والأمن






[1] ـ إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي، أسس ومجالات العلوم السياسية، مركز الإسكندرية للكتاب، الطبعة الأولى، 2012.ص:51.
[2] ـ إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي، أسس ومجالات العلوم السياسية، مرجع سابق، ص: 53.
[3] ـ محمد وفيع الله أحمد، مدخل إلى الفلسفة السياسية، دار الفكر ، دمشق، الطبعة الأولى، سنة 2010،ص: 30ـ40,
[4] ـ محمد وفيع الله أحمد، مدخل إلى الفلسفة السياسية ، مرجع سابق،ص:43,
[5] ـ إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي، أسس ومجالات العلوم السياسية، مرجع سابق،ص: 57,
[6] ـ محمد وفيع الله أحمد، مدخل إلى الفلسفة السياسية، مرجع سابق،ص:46,
[7] ـ السيد محمد تقي المدرسي ، مبادئ القانون الطبيعي، منشور هذا الموقع ، تاريخ الولوج: 2013ـ1ـ20. http://almodarresi.com/books/708/hk0rsqn3.htm
[8] ـ محمد عابد الجابري، حق الطبيعي... والقانون الطبيعي  ، تاريخ الولوج 2013ـ1ـ17، على الموقع http://hem.bredband.net/b155908/m477.htm
[9] ـ نعمان أحمد الخطيب، الوجيز في النظم السياسية، دار الثقافة عمان، الطبعة الثانية، 2011، ص: 69,
[10] ـ نعمان أحمد الخطيب، الوجيز في النظم السياسية، مرجع سابق، ص: 71.
[11] ـ إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي، أسس ومجالات العلوم السياسية، مرجع سابق،ص:67.
[12] ـ توني أورنيه ، آراء في القانون، ترجمة مصطفى رياض، الجمعية المصرية لنشر المعرفة و الثقافة العالمية، القاهرة ، الطبعة الأولى، 1998/ ص: 213,
[13] ـ توماس هوبز، الليفياثان، الأصول الطبيعية و السياسية لسلطة الدولة، ترجمة :ديانا حبيب حرب و يشرى صعب، دار الفرابي، بيروت، الطبعة الأولى يناير 2011، ص: 125 و 126.
[14] ـ محمد وفيع الله أحمد، مدخل إلى الفلسفة السياسية، مرجع سابق، ص: 62ـ 63.
[15] ـ توني أورنيه ، آراء في القانون، ترجمة مصطفى رياض،مرجع سابق، ص: 215,
[16] ـ توماس هوبز، الليفياثان، الأصول الطبيعية و السياسية لسلطة الدولة، ترجمة :ديانا حبيب حرب و يشرى صعب، مرجع سابق، ص: 134.
[17] ـ توني أورنيه ، آراء في القانون، ترجمة مصطفى رياض،مرجع سابق، ص: 234.
[18] ـ توماس هوبز، الليفياثان، الأصول الطبيعية و السياسية لسلطة الدولة، ترجمة :ديانا حبيب حرب و يشرى صعب،مرجع سابق، ص: 142.
[19] ـ توماس هوبز، الليفياثان، الأصول الطبيعية و السياسية لسلطة الدولة، ترجمة :ديانا حبيب حرب و يشرى صعب،نفس المرجع، ص: 144.
[20] ـ إيميل أمين، القانون الطبيعي عند توما الأكويني، تاريخ الولوج 21ـ1ـ2014، على الرابط التالي: http://www.terezia.org/section.php?id=2961