الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

المحاكم الدستورية في صيانة حقوق الإنسان، نموذج المحكمة الدستورية الإسبانية.

تشكل الحماية الدستورية للحقوق و الحريات الأساسية النواة الهامة في الدراسات المعاصرة، ولدا حاول المشرع الدستوري ومن تم القضاء الدستوري إرساء وسائل و آليات حقيقية لتك الحماية.
يعتبر الدستور في إطار الثقافة الديمقراطية الحديثة مصدرا أساسيا لتحديد معالم النظام القانوني في الدولة لما يتضمنه من مبادئ وأحكام تسود حياتها ومؤسساتها وشرعت سلطة القائمين عليها.
والدستور يسمو على جميع السلطات العامة في الدولة نظرا لما يتضمن من قواعد وحقوق تعتبر تابعة من إرادة الشعب غير أن هذا السمو يغدو مجرد لفظ أجوف غير مضمون ولو كان بمقدور هيآت و مسؤولين الدولة انتهاكه دون أن يكون هنا كجزاء يتقرر على ذلك الانتهاك . إذ يجب أن تكون هناك العديد من الضمانات التي تكفل احترام هذه السلطات العامة للحقوق والحريات التي ينص عليها الدستور، ومن أهم الضمانات التي عملت مختلف الأنظمة الدستورية على توفيرها لفرض احترام الدستور نجد القضاء الدستوري.
(والعدالة الدستورية التي تعني في أبسط معانيها مجموع القوانين والأجهزة المختصة بالنظر في مدى مطابقة القوانين الدستورية وكذا البث في صحة انتخاب أعضاء البرلمان وصحة عمليات الاستفتاء).
وقد كان من بين أسباب ظهور القضاء الدستوري الصراع القائم بين البرلمان والملك، ثم تطور مع الثورة الفرنسية التي تضمنت مجموعة من الحقوق الأساسية والتي يجب احترامها غير أن القضاء الدستوري بمعناه الحديث قد ظهر في و م أ وبالذات سنة 1803 في القرار المشهور بقرار ماديسون ضد ماريوي والذي ظهر في عهد مارشال رئيس المحكمة العليا حيث أقر القضاء بالإجماع ضرورة احترام القانون الدستوري على الرغم من عدم وجود نص في الدستور يمنح للمحكمة هذا الاختصاص ثم بعد ذلك انتقل هذا الأمر إلى دول أمريكا اللاتينية ثم تحول إلى أوروبا عقب الحرب العالمية الأولى، بعد ذلك انتشرت موجة القضاء الدستوري لتشمل مجموع دول العالم، حيث أطلق البعض اسم القانون الدستوري للحريات على ذلك القانون الذي ينظم العلاقات بين الدولة ومؤسساتها والأفراد ويسند للمواطنين عددا من الحقوق والحريات الأساسية .
وقد سبق أن أشرنا أن الدستور هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة يتضمن مجموعة من الحقوق والحريات مثل الحق في الشغل ، حرية الرأي، الحق في الانتخاب، المساواة ... وأسند بصفة خاصة إلى البرلمان الحق بالتشريع في هذه الحقوق والحريات ولكن ما يقع عمليا هو تطاول الحكومة على اختصاصات البرلمان ، كما أنه أثناء قيام البرلمان أو الحكومة بالتشريع قد لا يتم احترام نصوص وقواعد الدستور الأمر الذي يتطلب تدخل الجهاز المكلف لحماية الدستور وهو المحكمة الدستورية ، إما من أجل الحفاظ على التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية أو من أجل فرض احترام القوانين الأدنى للوثيقة الدستورية، والقوانين التي تصدرها الأجهزة المختصة غالبا ما تتعلق بحقوق وحريات الأفراد ومن ثم فقيام المجلس الدستوري بمراقبة احترام القوانين الدنيا للقوانين الأسمى هو في نفس الوقت حماية لحقوق وحريات الأفراد .
ولعل تناول موضوع دور القضاء الدستوري في حماية الحقوق والحريات لا يخلو من أهمية قصوى وذلك لعدة اعتبارات أهمها :
-
المكانة التي تحتلها الحقوق والحريات بالنسبة للأفراد
-
كون احترام الحقوق والحريات هو ترجمة لدولة الحق والقانون
-
أن الموضوع ونظرا لطبيعته الحساسة فهو يتدخل فيه ما هو قانوني مع ما هو قضائي وما هو سوسيولوجي أي أنه موضوع تقاطع فيه مختلف المقاربات.
ومن أجل الإحاطة بالموضوع بنوع من الشمول سنحاول الإجابة عن التساؤلات التالية التي يثيرها :
ما هو الجهاز القضائي المكلف بحماية الدستور في إسبانيا ؟ وهل هيكلة واختصاصات المجلس الدستوري تساهم في احترام حقوق وحريات الأفراد؟ ما هي تجربة هذا المجلس في مجال حماية الحقوق والحريات؟ بمعنى آخر كيف هي توجهات المجلس في هذا الإطار هل هي اجتهادات إيجابية تؤسس لقضاء دستوري فعال أو هي اجتهادات سلبية ؟ ثم ما هي الحدود والقيود التي يقف حجر عثرة أمام المجلس في تحقيق الأهداف التي أنشأ من أجلها ؟
وللإجابة عن هذه الإشكاليات ستكون خطة البحث وفق المنهج التالي:
المبحث الأول: البناء الدستوري و السياسي للملكية البرلمانية في دستور 1978.
المبحث الثاني: عمل المجلس الدستوري في حماية الحقوق والحريات.


المبحث الأول: البناء الدستوري و السياسي للملكية البرلمانية في دستور 1978.
لما كنت إسبانيا قد إختارت بموجب دستور 1978 " النظام البرلماني التقليدي" كشكل للنظام السياسي على غرار ما اتبعته انجلترا، فإن الضرورة تقتضي في هذا الصدد أن نعرف النظام البرلماني الإسباني من الناحية النظرية كأسلوب لتكييف العلاقة النيانية بين المؤسسات الدستورية.
لقد ورد اصطلاح " الشكل السياسي للدولة " في المادة الأولى من الدستور، وقام بتوضيحه لإضافة عبارة " الملكية البرلمانية " ولها لا يجوز أن نستند في تحليلنا إلى أية نظرية كلاسيكية لتحديد أو تكييف النظام الإسباني و مؤسساته، الأعلى وضوء هاذين الاصطلاحين المشار إليهما، لأن الدستور قصد بكل بساطة ما جاء في المادة 56 منه " بأن الملك هو رئيس الدولة..." وما جاء كذلك في المادة 66 " البرلمان يمثل الشعب الإسباني الذي هو مصدر لكل سلطات الدولة " وهذان إذا أضفنا الجهازان هما اللذان يحددان الشكل السياسي للدولة، خاصة إذا أضفنا إليهما الحكومة التي توقع بالعطف على أعمال الملك، وتكون مسئولة عنها، وتوجه السياسة الداخلية و الخارجية، و تمارس الوظيفة التنفيذية التي تقع تحت ظل السلطات الرمزية للملك.
وبناء على هذه الإعتبارات يكاد الفقه الدستوري الإسباني أن يجمع على أن النظام البرلماني الإسباني يقوم أصلا على " مبد التوازن و التعاون" .
وأحيانا التداخل بين السلطة التشريعية و التنفيذية، يظهر مبدأ " التوازن " بين سلطة من السلطات الدستورية، في عدم وجود تبعية قوية أو هيمنة سيئة لإحداهما على الأخرى، وفي حين يظهر مبدأ التعاون بين السلطات من خلال التنصيص على " شبكة" من العلاقات المتبادلة بين الملك و البرلمان و الحكومة ومع ذلك يصح القول بأن تدخل البرلمان يطال كل اختصاصات الملك، ولا يضعف من مركزه، وإنما يجعل منه سلطة شكلية أو مؤسسة رمزية لا تقوم إلا بدور الحكم فيما شيب من نزاع بين البرلمان و الحكومة من خلال ما أشرنا إليه من العلاقات البنائية تبادلا وتعاونا و تداخلا بين الملك و البرلمان و الحكومة، ننتهي إلى القول بأن الملك في إسبانيا ما هو إلا صورة مجردة ورمز لوحدة الدولة، أما سلطة الحكم الحقيقية فقد انتقلت إلى البرلمان و الحكومة.
ومع ذلك لازال بعض الفقه يعتقد بأن للملك نفوذا أدبيا كبيراً، و يتمتع بشعبية  تكاد تكون مطلقة، ذلك أن أغلبية الشعب الإسباني لا يوافق على ما ينادي به حزب السيار الموحد بضرورة إلغاء النظام الملكي و إحلال محله النظام الجمهوري.
وإذا كان النظام السياسي الإسباني نظام ملكي برلماني، فإنه لا يأخد بالفصل المطلق بين السلطات، و إنما كرس علاقات التعاون و التوازن بين السلطة التشريعية و التنفيذية، وقيد اختصاصات الملك بالوظيفة العامة " البرلمان "، وجعل علاقته مع الحكومة مجرد مؤشر على قراراتها، لذلك سنحاول توضيح هذه الأسس على الشكل التالي:
أـ الأسس الدستورية للربط البنائي و حماية المؤسسة التشريعية للملكية.
يلاحظ على علاقة الملك بالبرلمان بأنها علاقة غير متوازنة تميل لصالح البرلمان، لأن هذا الأخير يلعب دوراً خطيراً في عملية توارث التاج رغم أن الدستور حصره في سلالة آل بوربون، خاصة و أن الدستور و القوانين المكلمة لم تمنع السلطة التأسيسية " البرلمان " من القيام بتعديل النظام السياسي أو التراجع عن صلاحيات الملك.
ولذلك نجد البرلمان بعد وضع الدستور قام بتغيير مجموعة من القوانين الأساسية التي تكمل نظام التوراث و الوصاية " ودار الملك"، بالإضافة إلى إلغاء أجهزة ومؤسسات ملكية كانت موروثة على عهد فرانكو، كما أن البرلمان يتدخل في كل اختصاص يمارسه الملك، سواء في المجال الوطني أو في المجال الدولي، أو حتى المجال التشريعي.
و يتحدث الباحثون في القانون الدستوري الاسبامي على ثلاثة خصائص جوهرية تكاد تكون مشتركة بين معظم الملكيات السائدة في الأنظمة الغربية حالياً، وهذه الخصائص هي:
أولا: ينظر إلى التاج بإعتباره " الجهاز الدستوري المتوارث" يتولى من خلاله الملك رئاسة الدولة عن طريق الوراثة بحيث تكون مدة الرئاسة في ظله غير محدودة بمدة معينة، وذلك يمنع على أية سلطة في الدولة التدخل في هذا الأمر و الحيلولة بينه وبين منصب رئاسة الدولة، إلا في حالات خاصة.
ثانيا: إن التاج ليس الجهاز السائد، بل هو رمز لوحدة الدولة و ضمان استمراريتها.
ثالثا: إن التاج ليس جهازا فوق الدستور بل جميع سلطاته تنبثق من الدستور و القوانين المكملة له، و يتولى مهامه وفق الأسس و المضامين الواضحة التي ينص عليها.
ويعتقد كثير من الباحثين الإسبان بأن أساس خضوع الملك للدستور، يترتب عن الإخلاص الذي يؤديه الملك أما البرلمان، ومن ثم ينظر إلى هذا النوع من الخضوع من الناحية الأخلاقية و السياسية أكثر منها من الناحية القانونية.
ب ـ أنواع الإستفتاءات في النظام الدستوري الإسباني.
تبنت العديد من دساتير العالم مبدأ الاستفتاء الشعبي كنظام يتم فيه اللجوء إلى فئة من أفراد الشعب كما أشرنا ليقرر في أمر من الأمور، لكن دستور اسبانيا افترض بأن التاج بباقي المؤسسات قد تعتريه صعوبة في أداء الوظائف " ذات المضمون السياسي" فحسم إمكانية حدوث نزاع بين الملك و البرلمان بالإحتكام إلى الشعب، الذي يجسد السيادة الوطنية ، ويختار ما يناسبه من قرارات بواسطة الاستفتاء الشعبي الإستشاري.
اعتاد الباحثون الأسبان على تقسيم الإستفتاء في النظام الدستوري الإسباني ‘لى أربع استفتاءات استشارية وهي:
أولا: الاستفتاء الاستشاري السياسي الوطني.
نص دستور 1978 في المادة 92 على ما يلي:
الفقرة الأولى: يمكن للقرارات السياسية ذات الأهمية الخاصة أن تخضع للاستفتاء الاستشاري لجميع المواطنين.
هذا فيما يتعلق بالقرارات السياسية ذات الأهمية الخاصة، ويشترط فيه وفقا للمادة 6 من القانون التنظيمي للاستفتاءات ما بلي:
ترخيص مسبق بطلب من مجلس النواب و الموافقة عليه بأغلبية مطلقة من أعضاءه، ويكون الترخيص بطلب من رئيس الحكومة بعد المداولة في مجلس الوزراء.
ثانياً: الاستفتاءات الجهوية و الإقليمية.
تضع غرفتا البرلمان النظام الأساسي للجماعات المستقلة ذاتيا، وتحيلانه على اللجنة الدستورية لمجلس النواب للموافقة عليه نهائيا خلال أجل شهرين، و يقدم للاستفتاء الذي يفترض فيه قانونيا أن يكون إيجابيا، ويحصل في كل مقاطعة على الأغلبية المطلقة من أصوات الموجودين.
ويعتبر النظام الأساسي للاستقلال الذاتي من أصعب القوانين، لأنها تتطلب إجراءات و استشارات و تراض، لذلك احاطها الدستور و القوانين المكملة بكثير من الضمانات، ومن أهمها أن تخضع بعد وعها من جديد للاستفتاء الشعبي وفق ماهو منصوص عليه في المادة 8 من قانون الإستفتاء، و يتطلب :
1 : الموافقة على الإستفتاء حول القانون الأساسي للاستقلال الذاتي في الدستور ( المادة 151).
2 :أن يكون القانون الأساسي موافق عليه إذا حصل في كل عمالة على أغلبية الأصوات الموجودة، مستوفيا للشكليات المنصوص عليها في الدستور.
د: الإستفتاءات المحلية.
هذا النوع من الاستفتاءات بقي إلى حدود هذه اللحظة بدون قانون تنظيمي باستثناء بعض القواعد الموجودة في قانون الاستفتاء، فلم تتضمن أسلوب الاستشارة الشعبية، التي يمكن أن تحدث بواسطة البلديات في الشؤون الكبيرة المرتبطة لقضايا ذات " طبيعة بلدية وفي نطاق نفوها لذلك لازالت حتى الساعات محتكرة من طرف الدولة".
ج: الاستفتاء حول مراجعة الدستور.
وتجدر الاشارة إلى أن هناك تعريفات للاستفتاء الدستوري أهمها:
أن الاستفتاء الدستوري يعني عرض مشروع دستوري على الشعب للموافقة عليه أو رفضه.
ويمكن القول بأن هذا التعريف وغيره من التعاريف التي أطلعنا عليها يعتريها كثير من النقصان و لذلك سنحاول أن نعرفه كالآتي حيث يقصد بالإستفتاء الدستوري أن تعرض الجهة المختصة قانونيا مشروع إنشاء أو تعديل الدستور على أفراد معنيين من الشعب، وبعد أن يستوفي المشروع كل الإجراءات ليتخذ موقفه بالقبول أو الرفض.










المبحث الثاني: عمل المجلس الدستوري في حماية الحقوق والحريات.
قد يتساءل البعض عن علاقة حماية الحقوق والحريات بتشكيلة المجلس واختصاصاته ؟.
من خلال هذه النقطة لن نعمل على سرد تشكيلة المجلس بقدر ما سنعمل على إبراز مظاهر حماية الحقوق والحريات داخل التشكيلة .
لقد كان من بين الإصلاحات الدستورية التي ميزت فترة أواخر السبعينيات من القرن الماضي هو إنشاء قضاء دستوري مستقل.
تنص المادة 159 من دستور 1978 على أنه: تتكون المحكمة الدستورية من 12 عضواً يعينون من طرف الملك: أربعة بإقتراح من مجلس النواب، و أربعة من إقتراح مجلس الشيوخ ( الكورتيس ) و عضوان من الحكومة، و عضوان من مجلس العام للسلطة القضائية.
كما تنص المادة 204 من القانون الداخلي لمجلس الشيوخ على ما يلي:
الفقرة الأولى/ يختار مجلس الشيوخ أربعة قضاة في المحكمة الدستورية و يعرضون على الملك ليعينهم وفق المادة 159 من الدستور، ويمكن لكل فريق برلماني أو عشر أعضاء تقديم أكثر من مرشح كإقتراح لتغطية المناصب من الذين تشملهم الشروط المنصوص عليها في هذا القانون.
كما يقوم الملك بتعيين رئيس الحكومة من بين أعضاءها في الجلسة العامة، وإذا كان الملك هو الذي يصادق على مراسيم التعيين المنصوص عليها في الفقرة السابعة من القانون المنظم للإدارة المركزية فإنه في نفس المادة هو الذي يصادق على مراسيم الإقالة و الإستقالة.
ومما تجدر الإشارة إليه فإن النظام الإنتخابي الحالي من طرف البرلمان لقضاة المجلس العام للسلطة القضائية، و قضاء المحكمة الدستورية رغم نجاعته و عدالته على مستوى استقلال القضاء الإسباني و على مستوى نتائجه الإيجابية، يتعرض لانتقادات تتزايد يوما بعد يوم من طرف الباحثين و القضاة و رجال السياسة.
فالباحثون يعتقدون بأن تعيين القضاة من البرلمان و الحكومة يتعارض مع مبدأ فصل السلطات و استقلال القضاء.
من خلال هذه التشكيلة يمكن إبداء عدة ملاحظات قد تهم مسألة حقوق و حريات الأفراد :
- أن هيآت سياسية هي التي تعين هذه الهيئة القضائية الكبرى ولا يمكن أن يفلت تعيينها من تفعيلات ذاتية فيما يتعلق بمدة العضوية وعدم القابلية للتجديد فكلما كانت مدة العضوية طويلة وغير قابلة للتجديد زاد ذلك من استغلال الأعضاء ، فالقاضي الذي يعين لمدى الحياة أو لمدة طويلة يتوفر شروط أفضل للاستقلال عن السلطة التي تعينه وعن بقية السلطات في حين أن المدة القصيرة أو القابلة للتجديد تجعل الذي يطمع للاستمرار أو التعيين في منصب رفيع بعد انتهاء ولايته يأخذ ذلك بعين الاعتبار في اجتهاداته ومواقفه ويكون أميل إلى إرضاء السلطة التي لها تأثير على مستقبله بالمجلس أو مستقبله المهني بدل العمل على تطبيق القانون تطبيقا سليما.
وقد عرفت مسألة مدة العضوية وعدم القابلية للتجديد تطورا إيجابيا في اسبانيا  مع دستور 1978، ومن تم يمكن القول أن الزيادة في طول المدة وعدم إمكانية تجديد العضوية مسائل تشكل تقدما كبيرا يدعم استقلالية العضو وبالتالي ضمانة لحريات الأفراد وحقوقهم .
كذلك من بين ضمانات حماية حقوق الأفراد وحرياتهم انطلاقا من تشكيلة وتنظيم المحكمة الدستورية نجد مسألة عدم قابلية أعضاء هذه المحكمة للعزل وهذا يعني أن عضو المحكمة الدستورية لا يمكن عزله أو إقالته من جهة قبل نهاية ولايته مادام يتوفر على الشروط فما لم يقدم العضو استقالته بصفة اختيارية.
كذلك من مظاهر حماية الحقوق والحريات من وجهة تشكيلة هيئة المحكمة الدستورية هو مسألة الاستقلال المادي للأعضاء فالاستقلال المادي يعد مدعما للاستقلال المهني والفكري للقضاء حتى لا يخضعوا لأي تأثير وإغراء ولهذا تتنافى العضوية في المحكمة الدستورية مع كل انتداب تمثيلي، ومع المناصب السياسية أو الإدارية، ومع أداء وظائف توجيه في الحزب السياسي أو النقابة و العمل لمصلحتها، وممارسة سلك القضاء و النيابة العامة أو أي نشاط تجاري أو مهني. ( الفقرة 4 من المادة 159 من الدستور).
و من جهة كما خولهم تعويضات توازي التعويضات الممنوحة لأعضاء البرلمان وخول لرئيس المحكمة نفس التعويضات والامتيازات الممنوحة لرئيس مجلس البرلمان لكن مسألة الاستقلال المادي لأعضاء المحكمة الدستورية تطرح بعض الملاحظات.
أ ـ إختصاصات المحكمة الدستورية.
للمحكمة الدستورية ولاية قضائية في كل الإقليم الاسباني و تختص بالنظر:
1ـ في الطعن في عدم دستورية القوانين و النصوص القانونية ذات قوة القانون، و الإعلان عن عدم دستورية قاعدة قانونية ذات قوة القانون، وتفسر بواسطة الاجتهاد الفقهي، وتؤدي بناء عليها إلى إصدار حكم أو أحكام ملزمة تتمتع بقوة الشيء المقضي به.
2ـ في طعن الحماية لخرق الحقوق و الحريات المحددة في الفقرة الثانية من المادة الثالثة و الخمسين من الدستور الاسباني وهي :
يمكن لأي مواطن أن يطالب بالوصاية على الحقوق و الحريات المحددة في المادة 14 و في الفرع الأول من الفصل الثاني أمام المحاكم العادية و بواسطة قائمة على مبدأ الأفضلية و الاستعجال وعند الاقتضاء الطعن أمام المحكمة الدستورية و يطبق هذا الطعن الأخير بالإمتناع الضميري المحدد في المادة 30. وهناك حالات و أشكال يحددها الدستور.
3ـ في تنازع الاختصاص بين الدولة و الجماعات المستقلة أو فيما بين هذه الأخيرة.
4ـ في بقية المجالات التي أسندها إليها الدستور أو القوانين التنظيمية. كما يمكن للحكومة أن تطعن أمام المحكمة الدستورية في النصوص و القرارات المتخذة من طرف أجهزة الجماعات المستقلة، ويودي الطعن إلى تعطيل النص أو القرار المطعون فيه، ويجب على المحكمة أن توافق على تعطيله أو رفضه عند الاقتضاء في مدة لا تتجاوز خمس أشهر.
يمكن القول أن تشكيلة المحكمة الدستورية والشروط النظامية للقضاة فيها  تضمن بما يكفي نزاعتهم واستقلالهم عن السلطات السياسية مما يجعل ذلك يساهم في حماية واحترام الحقوق والحريات لكن ذلك يتوقف إلى حد كبير على ما سيقوم به هؤلاء الأعضاء وقت مزاولتهم لاختصاصاتهم وقدرتهم على المراهنة بأنهم قضاة يعملون على حماية المقتضيات الدستورية وضمان الحقوق والحريات وبالتالي حماية سمو وسيادة الدستور .
... لكن الإشكال الذي قد يطرح هو مدى توقف سلطات التعيين في انتفاء الأشخاص المتوفرين على ما يكفي من شروط الكفاءة المهنية والنزاهة الفكرية والأخلاقية للقيام بمهامهم على أحسن وجه كما أنه من خلال الإطلاع على قرارات واجتهادات المحكمة بإسبانيا، يتأكد بالفعل بأنه أبان عن فعالية كبرى مما يثبت استحقاقه للمكانة الدستورية التي يتمتع بها فهو ساهم ويساهم في حماية الحقوق والحريات وفي فرض احترام مقتضيات الدستور وعليه إن كانت هذه هي أهم مظاهر حماية حقوق وحريات الأفراد من وجهة تشكيلة المحكمة الدستورية. نتساءل عن أهم تجليات حماية الحقوق والحريان من وجهة اختصاصات المحكمة؟
ب ـ  تمظهرات حماية الحقوق والحريات من خلال اختصاصات
المحكمة الدستورية.
سوف نحاول التطرق في إطار هذه النقطة الفرعية إلى أهم تجليات حماية الحقوق والحريات من جهة اختصاصات المحكمة الدستورية حيث أننا نجد من أهم اختصاصات المحكمة مراقبته لدستورية القوانين ثم البث في صحة انتخاب البرلمانيين إضافة إلى النظر في صحة عمليات الاستفتاء وكذلك البث في الطبيعة القانونية للنصوص وتأويل بعض القوانين التنظيمية ثم اختصاص البث في الوضعية القانونية لبعض الأشخاص بالإضافة إلى الاختصاصات الاستشارية ولكن بما أن موضوعنا محصور في تقييم عمل المحكمة من جانب الحقوق والحريات فإننا سنحاول التركيز على أهم الاختصاصات التي لها علاقة بحماية الحقوق والحريات وأبرزها :
1 ـ  مراقبة دستورية القوانين :
ضمن هذا الاختصاص يدخل مراقبة مطابقة القوانين التنظيمية للدستور وكما نعلم جميعا فالقوانين التنظيمية هي مكملة للدستور على اعتبار أن الدستور لا يمكنه التفصيل في كل الأمور فإنه يحيل الجوانب التفصيلية على القوانين التنظيمية ، وهكذا فقد حددها الدستور.
ويشمل مجال مراقبة دستور القوانين أيضا مراقبة دستورية النظام الداخلي لمجلس البرلمان وهي الأخرى تعتبر إجبارية ومسبقة ، والهدف من هذه المراقبة هو الحرص على تعدي البرلمان لاختصاصاته ، و إسناد اختصاصات أو مساطر قد تمس باختصاصات أو حقوق الحكومة أو باقي المؤسسات الدستورية . كما أن قبول المحكمة للنظام الداخلي يوفر حماية مدعمة لحقوق البرلمان وأعضائه.
لكن في نظرنا يبقى أهم اختصاص تمارسه المحكمة الدستورية هو مراقبتها لدستورية القوانين العادية على اعتبار أن القوانين العادية غالبا ما تكون متصلة بحقوق وحريات الأفراد ، وهكذا فيمكن للمحكمة الدستورية أن يدفع بعدم دستورية قانون ما؛ لتجاوز المشرع لاختصاصاته في مجال القانون العادي كالتشريع مثلا في مجال تنظيمي بواسطة قانون عادي وإما لوجود عيب في المسطرة وإما لخرق المشرع لمقتضيات دستورية كانتهاء القانون لحق يضمنه الدستور مثلا .
ورغم أهمية هذا الاختصاص الذي تضطلع به المحكمة الدستورية في مجال حماية الحقوق والحريات فإنه مع ذلك يبقى محدودا وهذا راجع إلى عدة اعتبارات أهمها :
أن نطاق ومجال عمل القضاء الدستوري محصور في تطبيق القانون وليس خلقه ، إذ حينما يكون النص الدستوري يقبل تأويلات متعددة ويحمل معاني مختلفة فهنا يتحول دور القاضي الدستوري من العمل على مطابقة مضمون نصيب بتراتبية مختلفة ( الدستور / القانون العادي) إلى وظيفة التأويل مما يجعل في هذه الحالة عمل القضاء الدستوري غير محصور في صورة أفوات للدستور إنما يتعداه إلى خلق القاعدة القانونية المطبقة .
إن ممارسة مراقبة دستورية القوانين العادية تبقى مسألة اختيارية وليس إلزامية مما يحد من فعالية عمل المحكمة الدستورية في حماية الحقوق والحريات.
2 ـ اختصاص البث في صحة انتخاب البرلمانيين.
إضافة إلى هذه الاختصاصات المشار إليها أعلاه هناك اختصاص مهم يساهم في حماية الحقوق والحريات وهو المتعلق باختصاص البث في صحة انتخاب البرلمانيين وأهميته راجعة لكون الناخبين والمرشحين المعنيين بإمكانهم الطعن في نتائج الانتخابات وفي القرارات التي تتخذها الأجهزة الساهرة على عملية الانتخابات ( مكاتب التصويت ، المكاتب المركزية ... ) وقد حدد للقاضي الدستوري ثلاث حالات على سبيل الحصر يمكنه التصريح فيها ببطلان العملية الانتخابية جزئيا أو مطلقا وهي :
إذا لم يجر الانتخاب طبقا للإجراءات المقررة في القانون
إذا لم يكن الاقتراع حرا أو شابه مناورات تدليسية.
 إذا كان المنتخب أو المنتخبون من الأشخاص الذين لا يجوز لهم الترشيح للانتخابات بمقتضى القانون أو بموجب حكم قضائي.
وباستقرائنا لحصيلة عمل المحكمة الدستورية نلاحظ هيمنة الطعون الانتخابية على أغلب قراراته لكن ما يمكن ملاحظته أيضا في هذا المجال هو وجود بعض الثغرات التي قد تؤثر على اختصاص المحكمة الدستورية في حماية الحقوق والحريات في المجال الانتخابي مثل عدم تحديد أجل للبث في الطعون منذ يوم تقديمها مما يترتب عنه تأخير في البث في عدد من القضايا لأكثر من سنتين.


خاتمة:
إن أهم ما يمكن استنتاجه هو انه إذا كان المشرع الدستوري الاسباني قد تمكن من وضع ترسانة تشريعية دستورية حديثة تضاهي تلك الموجودة في الدول العريقة في الديمقراطية ، فإن ما يمكن ملاحظته هو الخلل الذي لازالت تعاني منه الأجهزة الساهرة على إقرار العدالة الدستورية تتجلى أساسا في عدم تحديد آجال للبث في المنازعات الانتخابية تواضع طرق التحقيق وتجهيز الأحكام، عدم نشر وتبليغ الأحكام، عدم إتاحة الفرصة للرأي المخالف ولقيام المحكمة بتصريحات واقتراحات الإصلاح ضعف وسائل الطاعنين وحقوق الأطراف الشيء الذي يجعله في حاجة إلى مزيد من التفعيل والتحلي بالمزيد من الجرأة في معالجة القضايا حتى يرقب إلى تطلعات وانتظارات المواطنين.



لائحة المراجع :
أحمد حضراني القانون الدستوري والمؤسسات السياسية طبع مكتبة سجلماسة مكناس الطبعة الأولى 2002 .
أحمد السوداني،الهوية السياسية الملكية البرلمانية  في إسبانيا، الجدور التاريخية و البناء الدستوري (1808- 2011) ،دون دار النشر، سنة 2011.
شعير الطيب أحمد عبد الله المتوكل : قرارات المجلس الدستوري دار النشر الجسور وجدة 1948.
عيد أحمد الغفلول، الرقابة السابقة على دستورية المعاهدات الدولية القاهرة، دار النهضة العربية دون تاريخ النشر.
أحمد فتحي سرور، الحماية الدستورية للحقوق و الحريات، دار الشروق القاهرة، 2000.





مصادر القانون الدولي الإنساني

القانون الدولي الإنساني هو أحد أهم فروع القانون الدولي العام وهو يعكس جانباً من أهم جوانب هذا القانون منذ القدم وإن كانت التسمية( القانون الدولي الإنساني) هي تسمية حديثة نسبياً ذلك أن هذا الفرع من فروع القانون الدولي العام يتعلق بمبادئ وقواعد القانون المتعلقة بالحرب والنزاعات المسلحة والقواعد الحاكمة لحقوق وواجبات ومسئوليات المتحاربين أطراف النزاع المسلح وكل من له صلة بالحرب أو النزاع المسلح وكذا المتأثرين بالحرب أو النزاع المسلح من أمثال الأسرى والجرحى والمرضى والموتى، نتيجة الحرب أو النزاع المسلح أو أي أعمال ناجمة عنها أو متعلقة بها وكذا وضع ضحايا الحروب بمختلف أنواعهم من مدنيين وعسكريين ووضع المدنيين الواقعين تحت الاحتلال الحربي وحقوقهم وواجباتهم، وما يترتب على ذلك من آثار هذا بالإضافة إلى القواعد والمبادئ القانونية المتعلقة بأنواع الأسلحة التي يجوز استخدامها وتلك التي لا يجوز استخدامها أو المحرمة دولياً ومناطق التسلح ومناطق نزع السلاح ومناطق خفض التسلح مع إضفاء اهتمام حديث نسبياً على القواعد الخاصة بمعاملة الأطفال والنساء والشيوخ باعتبارهم أهم ضحايا الحروب في مجملها وهو ما يؤكد إضفاء الطابع الإنساني على هذا الفرع الهام من فروع القانون الدولي العام؛ لذلك تطلق عليه حديثاً تسمية القانون الإنساني الدولي أو القانون الدولي الإنساني، بدل من تعبيرات مثل قانون الحرب وقانون النزاعات المسلحة لبيان مدى تأثره بإضفاء الطابع الإنساني على قواعده والاهتمام بذلك على نحو خاص.
العالم على مر العصور في مشرق الأرض ومغاربها وشمالها وجنوبها هذا وقد مرت الحروب بأطوار عديدة في التاريخ الإنساني، وذلك أن الحرب قديمة قدم الإنسان نفسه على وجه الأرض ذلك أن الإنسان قد عرف الحرب والنزاع المسلح والعنف والقتل والتدمير عند حادثة قتل أحد أبناء آدم لأخيه، حتى وما تلى ذلك من حروب ونزاعات مسلحة شهدها وكل أرجائها، دون استثناء ومنها ما هو معروف والكثير منها مجهول، وغير معروف ولكنها جميعاً أنتجت دماراً وهلاكاً للبشرية في أحياناً كثيرة بغير حدود. وربما كان من أهم هذه الحروب دماراً وإهلاكاً للبشرية للطبيعة ما أنتجته الحروب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية ثم ما تلا ذلك من حروب استخدمت فيها بعض أنواع من أسلحة الدمار الشامل (الأسلحة البيولوجية أو البيكتريولوجية والأسلحة الكيماوية والأسلحة النووية)، بالإضافة إلى الأسلحة المحرمة دولياً سواء على النطاق الشامل أو التكتيكي. وأدت بعض هذه الحروب والنزاعات المسلحة إلى دمار أجناس بشرية دماراً كاملاً أو شبه كاملاً مثل إهلاك الهنود الحمر وإفنائهم بحيث لم يتبقى منهم إلا القليل عندما دخل الإنسان الأبيض إلى القارة الأمريكية الشمالية.[1]
والواقع إلى أن اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة والحرب كان يعد عبر التاريخ أمراً مشروعاً وحقاً ثابتاً لكل دولة أو إمارة أو مملكة، أو مجموعة من البشر تشكل قبيلة أو عشيرة أو نحو ذلك وأن اللجوء إلى الحرب كان يعد أحد أهم وسائل اكتساب الحقوق المترتبة على مكاسب تلك الحروب لصالح المنتصر، ذلك أن المنتصر كانت تترتب له كل الحقوق ومن بينها حق الفتح والاحتفاظ بالأراضي والغنائم التي استولى عليها نتيجة لنجاح الغزو أو الفتح والنصر على العدو ومن بين ذلك تلك الآثار التي كانت مشروعة لمدة طويلة من الزمان الحق في الاستيلاء ليس فقط على الأراضي والممتلكات والغنائم بل أيضاً في الاستيلاء على البشر أنفسهم ذكوراً كانوا إناثاً واعتبارهم من بين غنائم الحرب المشروعة و استعبادهم هم وأولادهم و ذرياتهم، وظل هذا الوضع قائماً لقرون طويلة من الزمان، وقد كان الدين الإسلامي هو أول الشرائع التي جاءت لتخصص وطأة بعض هذه الأمور وتمنع الحروب العدوانية (أي الابتداء بالعدوان)، وتخفف من وطأة العبودية عن طريق التوسع في أسباب عتق العبيد والإيصاء بحسن معاملتهم وإضفاء جزء كبير من الطابع الإنساني على القواعد المنظمة للحرب والمنازعات المسلحة ولا شك أن تحريم العدوان غير المبرر واللجوء إلى الاعتداء يعد أمراً غير مسبوق جاءت به الشريعة الإسلامية قبل أي تشريع قانوني آخر، وكثيراً هي المواضع في القرآن الكريم التي تضمنت تحريماً للعدوان والتي سنعرض لها بالتفصيل في الجزء المتصل بذلك في عرضنا ودراستنا مستقبلاً في هذا الكتاب.
ولكن الوضع ظل على الصعيد الدولي متمثل في الاعتراف بالحق في اللجوء إلى القوة المسلحة والبدء في الحرب على أنه أمر مشروع ويرتب نتائجه بالنسبة للمنتصر والمهزوم، فللمنتصر الحق في اكتساب الأراضي والغنائم المستولي عليها نتيجة للحرب والغزو والنصر والفتح وكذا الاستيلاء على أسرى وسبايا الحروب من الأعداء رجالاً كانوا أو نساءاً أو أطفالاً أو شيوخاً، وله الحق في استعبادهم وعلى المهزوم أن يرضخ لإرادة المنتصر وعدالته واستمر هذا الوضع لآلاف السنين حتى القرن التاسع عشر الميلادي، والذي بدأ يشهد بداية النهاية لمسألة العبودية واسترقاق البشر حتى لو كان ذلك نتيجة للحرب ولم يكن ذلك بالأمر المهين أو اليسير حيث خاضت البشرية معارك جمة في سبيل تحرير الرقيق ووضع القواعد القانونية التي تمنع الاسترقاق والاستيلاء على الرقيق أثناء أو بسبب الحروب والمنازعات المسلحة أو غيرها من الأسباب على النحو الذي سيرد ذكره في الدراسة في المواضع المختلفة ذات الصلة في هذا الكتاب. وشهد القرن التاسع عشر وكذلك القرن العشرون وضع القواعد القانونية الاتفاقية الدولية الخاصة بتنظيم الحروب وحقوق وواجبات المتحاربين وغيرهم ممن يتأثر بتلك الحروب وضحاياها من مختلف الأنواع وشهد القرن العشرون بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية التحريم القانوني إلى الحرب وشن العدوان واعتبار أن الحرب بجميع صورها وأشكالها تعتبر أمراً غير مشروعاً إلا في حالة واحدة هي حالة الدفاع الشرعي والتي سنبدأ بها الدراسة في هذا المقرر باعتبارها الحالة الوحيدة التي يجوز فيها قانوناً استخدام القوة المسلحة بطريقة مشروعة ما دامت قد توافرت شروطها وظل استخدام القوة محدداً في دائرة الدفاع الشرعي دون تجاوزها. ويعتبر ميثاق الأمم المتحدة في الحقيقة هو الوثيقة العالمية الأولى التي حرمت عالمياً اللجوء إلى الحرب وشن العدوان باعتباره أمراً غير مشروع وإن كانت هناك بعض الوسائل الأخرى التي عالجت هذا الموضوع والتي سنعرض لها بالتفصيل في الوقت المناسب مثل اتفاقية1929  الخاصة بتحريم شن العدوان.[2]
وبالرغم من إقرار القانون الدولي العام لمبدأ تحريم اللجوء إلى الحرب وشن العدوان واعتبار أن كل الحروب بجميع أنواعها وأشكالها، وكذا المنازعات المسلحة غير مشروعة إلا في حالة واحدة فقط كما ذكرناها هي حالة الدفاع الشرعي إلا أن هذا القانون الدولي نفسه واعترافاً منه بحقيقة الواقع وأنه لا زال اللجوء إلى الحروب والنزاعات المسلحة يستخدم كثيراً حتى بعد إبرام ميثاق الأمم المتحدة والتحريم الصريح لذلك، فإن هذا القانون الدولي نفسه قد وضع القواعد التي تنظم العمليات العسكرية وحقوق وواجبات المتحاربين وغير المتحاربين في وقت الحرب أو النزاع المسلح وما بعد ذلك في حالة الاحتلال الحربي وذلك في إطار اتفاقيات جنيف لعام1949  ، وكذا بروتوكولي 1977 الملحقين لاتفاقيات جنيف المذكورة، وهو ما يؤكد أن تحريم اللجوء إلى الحرب والنزاع المسلح وشن العدوان شيء وحقيقة الأمر شيء آخر استدعى وضع تنظيم قانوني دولي دقيق يضفي طابعاً إنسانياً كبيراً على تلك القواعد للحد من الآثار السلبية للحروب والنزاعات المسلحة على الإنسان أي كان وهو ما سنعرض له بمزيد من الدراسة في هذا المقرر وهو ما أصبح يعرف الآن بقواعد قانون النزاعات المسلحة أو القانون الإنساني الدولي، لكل ذلك يتعين علينا بدء موضوعات الدراسة بموضوع الدفاع الشرعي باعتباره هو فقط الذي يمثل الجانب المشروع لاستخدام القوة المسلحة في العلاقات الدولية في ظل أحكام ميثاق الأمم المتحدة ثم ندرس بعد ذلك تطور قواعد قانون النزاعات المسلحة والقانون الإنساني الدولي بما في ذلك تطور إضفاء الطابع الإنساني على هذا القانون في الزمن المعاصر.[3]
إشكالية الدراسة:
ما هو المقصود بمصادر القانون الدولي الإنساني؟
وتتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من الأسئلة الفرعية:
1ـ ما هو القانون الدولي الإنساني؟
2ـ تطور القانون الدولي الإنساني في الحضارات القديمة؟
3ـ ما المقصود بالبروتوكول الإختياري؟
ولدراسة هذا الموضع ملنا إلى إعتماد المقاربة المنهجية التالية:
المنهج التاريخي: وذلك بغية الوقوف على التطورات التي عرفها في تدوين القانون الدولي الإنساني.
المنهج القانوني التحليلي: وهذا بغية تحليل بعض المواد القانونية خاصة الواردة في إتفاقيات جنيف الأربع و البروتوكولين الملحقين.
وذلك عبر إعتماد المحطات التالية:
المبحث الأول: أصول و تطور القانون الدولي الإنساني.
المطلب الأول: الأصول الأولى.
المطلب الثاني: نشأة و تطور القانون الدولي الإنساني المعاصر.
المبحث الثاني: المصادر الإلزامية و غير الإلزامية للقانون الدولي الإنساني.
المطلب الأول: المصادر الإلزامية للقانون الدولي الإنساني.
المطلب الثاني: المصادر غير الإلزامية للقانون الدولي الإنساني.


 المبحث الأول: أصول و تطور القانون الدولي الإنساني.
المطلب الأول: الأصول الأولى.
تعود الأصول الأولى للقانون الدولي النساني إلى قرون بعيدة، فقد سنت الحضارات الكبرى، قبل التاريخ الميلادي بآلاف السنين، القوانين الأولى للحرب.
فلدى السامريين كانت الحرب بالفعل نظاما راسخا فيه إعلان للحرب و تحكيم محتمل و حصانة للمفاوضين و معاهدات صلح.[4]
وقد أصدر حمورابي، قانون حمورابي الذي وصفه في بدايته بالعبارة التالية:
"إنني أسن هذه القوانين كي أمنع القوي من الجور على الضعيف "، وعرف عنه أنه كان يحرر الرهائن مقابل فدية.
وكذلك تشهد الحضارة المصرية على إحترام الغريب، و يكفينا في هذا الصدد أن نشير إلى الأعمال السبعة للرحمة الحقيقية، و التي كانت تنص على أنها:
1ـ إطعام الجياع.
2ـ إرواء العطاش.
3ـ كساء العرات.
4ـ إيواء الغرباء.
5ـ تحرير الأسرى.
6ـ العناية بالمرضى.
7ـ دفن الموتى.
أما الحيتيون فكانت تصرفاتهم في الحرب تتسم بالإنسانية بشكل رائع، وكان لهم قانون يقوم على العدالة و الإستقامة يسمى بقانون مانــــــــــــــو، وكانوا أيضاً يعرفون إعلان الحرب و معاهدات الصلح.
وعندما اصطدمت الإمبراطورتان العظيمتان المصرية و الحيثية، عقدتا عام 1269 قبل الميلاد معاهدة لتنظيم الأعمال العدائية.[5]
وإذا استعرضنا التعاليم القديمة للهند، نجد بعض القواعد التي وردت في قانون مانو أو مجموعة مانو في الهند القديمة نابعة أساساً من الإعتبارات الإنسانية التي يتأسس عليها القانون الدولي الإنساني في وقتنا الراهن، فقد كانت تحرم على المقاتل أن يقتل عدوه إذا استسلم أو وقع في الأسر، كما كانت تحرم قتل من كان نائما أو مجردا من السلاح أو غيرهم من المقاتلين المسالمين، وقد سارت على هذا النهج كذلك الحضارة اليونانية القديمة.
وفي العصور الوسطى تأثر تطور القانون الدولي الإنساني بظهور المسيحية التي أعلنت أن البشر إخوة و أن قتلهم يعد جريمة، ومنعت الرق، حيث بشر السيد المسيح عليه السلام بحب الغريب ورفع هذا الحب إلى مستوى الشمول، فهو مطلق ومجرد من بواعث، يمتد إلى الجميع حتى العدو.
وتأسيسا على ذلك رفض مسيحيو القرون الأولى الإنضمام إلى الجيش الروماني بسبب الطابع الوثني لهذا الجيش و بسبب الألوهية المزعومة لشخص الإمبراطور.
وفي هذا عام 313 ميلادية، صدر مرسوم ميلانو الشهير الذي أصدره الإمبراطور قسطنطين بعد إعتناق المسيحية، وجعل به من الكنيسة سلطة زمنية كبرى بين عشية وضحاها.
ولما كان الكتاب المقس يدين سفك الدماء فقد قام القديس أوغوسطينوس في مطلع القرن الخامس بصياغة نظرية مأخودة عن الرومان وهي نظرية الحرب العادلة، وكان المقصود من ذلك توفير راحة صورية للضمائر بالتوفيق بين المثل الأخلاقي الأعلى للكنيسة وبين الضرورات السياسية المحيطة بها، وق ترتب عن  ذلك البطاء في تقدم الإنسانية لعدة قرون.
ومفاد هذه النظرية بإختصار هو أن الحرب التي يباشرها عاهل شرعي هي حرب أرادها الله، وأفعال العنف المقترفة في سبيلها تفقدها كل صفة من صفات الخطيئة، فاخصم في هذه الحالة يكون هو عدو الله، و الحرب التي يباشرها إنما هي حرب ظالمة.
وأخطر نتيجة لهذا المفهوم هو أن "الأبرار" كانوا يستطيعون تحليل كل شيء لأنفسهم ضد "الأشرار"، ولم تكن أفعالهم جرائم بل  عقوبة واجبة يجري توقيعها على المدنيين، غير أنه من الواضح أن الواضح أن كل فريق يدعي بأن قضيته هي وحدها قضية عادلة، فكانت المذابح تجري بلا حساب تحت ستار من حق المشوب بالرياء، وقد وصف جان بكتيه، فقيه القانون الدولي الإنساني الحروب الصليبية التي كانت تمثل الحروب العالة أنها أسوأ مثال على هذا العدل.[6]
أما عن الموقف الإسلامي فيعتبر الجهاد في الإسلام جهادا من أجل المبادئ، فيقول الحق سبحانه وتعالى:" وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله و المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا و اجعل لنا من لدنك نصيرا. الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله و الذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا" سورة النساء،الآيتان 75ـ76.
ويقول عز وجل: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين."سورة الأنفال الآية 39.
و المتتبع لنصوص القرآن و أحكام السنة النبوية في الحرب، يرى أن الباعث على القتال ليس هو فرض الإسلام دينا على المخالفين و الدليل على ذلك قوله تعالى:
" لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي". وإنما يكون القتال لدفع الإعتداء، وهو ما ورد بنص القرآن الكريم في قوله تعالى: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم و اتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين." سورة البقرة الآية 194.
وفيما يتعلق بأسرى الحرب فقد دعا الإسلام إلى المحافظة على الكرامة الإنسانية في الحروب، ولما كانت الحرب في الإسلام قد شرعت لدفع العدوان، فن التاريخ لم يعرف محاربا رفيقا بالأسرى كالمسلمين الأولين الذين اتبعوا أحكام القرآن وسنة رسول الله، وقد جاءت الإشارة إلى الرفق بالأسرى في قوله تعالى:
" ويطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما و أسيرا". وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " استوصوا بالأسرى خيرا" وقد أوصى أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسرى فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الطعام.[7]
المطلب الثاني: نشأة و تطور القانون الدولي الإنساني المعاصر.
بالنسبة للمحة التاريخية يمكن القول بأن أصول القانون الدولي الإنساني تستمد جذورها من الحضارات القديمة و الديانات، فقد خضعت الحرب دوما لبعض القوانين و الأعراف.
ولم يبدأ التدوين المعاصر للقانون الدولي الإنساني سوى في القرن التاسع عشر، ومنذ ذلك الحين اتفقت الدول على مجموعة من القواعد من القواعد العلمية التي تستند إلى تجربة الحرب العصرية المريرة، و التي توازن بحذر بين الشواغل الإنسانية و المتطلبات العسكرية للدول.
فقد ظلت أوروبا غارقة في سفسطة الحرب العالة طيلة عصور الإقطاع، ومع بداية حركة الإصلاح الديني أبدى جروسيوس، الذي يعد مؤسس القانون الدولي العام الحديث، اهتماما فائقا بقانون الحرب وهاجم نظرية الحرب العادلة و بدأ في وضع مجموعة من القيود التي ترد على سلوك المتحاربين، و التي تجسد أساسها في مبادئ الدين و الإنسانية و الاعتبارات السياسية.
وتابع الفقهاء من بعد جروسيوس الإهتمام بدراسة قانون الحرب، ومع بداية القران الثامن عشر الذي استقرت فيه الدولة بشكلها القانوني الحديث، ظهرت بعض القواعد العرفية و العادات المتعلقة بسير عمليات القتال، وتشكل قانون عرفي يمكن تلخيصه على النحو التالي:
1ـ أصبح هناك حصانة للمستشفيات؛
2ـ لم يعد المرضى و الجرحى يعاملون كأسرى حرب؛
3ـ أصبح الأطباء و مساعدوهم و المرشدون الدينيون معافين من الأسر.
4ـ المحافظة على حياة الأسرى و تبادلهم دون فدية؛
5ـ أصبح هناك نوع من الحماية للسكان المدنيين المسالمين؛
ومن خلال هذه القواعد العرفية استنتج جان جاك روسو عام 1782 قاعدة اجتماعية ذكرها في كتبه الشهير " العقد الإجتماعي" مفادها أن الحرب ليست علاقة بين إنسان و إنسان و إنما هي علاقة دولة بدولة أخرى، و الأفراد فيها أعداء بشكل عرضي فقط، و عداؤهم لا يقوم على أساس أنهم بشر أو مواطنون، بل على أساس أنهم جنود، و بإلقائهم أسلحتهم و استسلامهم فإنهم يعدون من جديد ليصبحوا بشرا، لا يحق لأي إنسان الإعتداء على حياتهم.
ومع ذلك لم تحظ المبادئ العرفية للقانون الدولي الإنساني بالإحترام الكافي خلال النزاعات التي نشبت في تلك العصور.
حتى كانت حرب إيطاليا التي اصطدم في النمساويون مع الفرنسيين و الإيطاليين عام 1859، وكانت موقعة سولفرينو التي تعد واحدة من أكثر المعارك دموية في التاريخ.
ساقت الأقدار إلى سولفرينو شابا سويسرايا يدعى هنري دونان استولى عليه الفزع و أخدته الشفقة عندما شاهد جرحى مكدسين في الكنائس يموتون متأثرين بآلام رهيبة بينما كان من الممكن إنقاذهم لو تم إسعافهم في الوقت المناسب.
وقام هنري دونان في أعقاب ذلك، وقد هزته الأحداث وتملكته رغبة في تجنب تكرارها، إلى تأليف كتاب أسماه " تذكار سولفرينو" في عام 1862 و نقل من خلاله ما شاهده فصاغ أمنية مزدوجة:
أ ـ من جهة: أن تنشأ في كل بلد جمعية غوث تطوعية تعد نفسها في زمن السلم لتقديم الخدمات الصحية للجيش في وقت الحرب.
ب ـ من جهة ثانية: أن تصادق الدول على مبدأ اتفاقي مقدس يؤمن الحماية القانونية للمستشفيات العسكرية و أفراد الخدمات الطبية.[8]
وهكذا تولدت من هذه الأمنية، في شقها الأول، مؤسسة الصليب الأحمر وفي الشق الثاني إتفاقية جنيف.
وكان  من بين قراء كتاب تذكار سولفرينو أحد رؤساء الجمعيات ذات النفع العام وهو جوستاف موانييه، وقد دعا جمعيته ‘لى دراسة اقتراحات دونان ومحاولة الوصول بها إلى نتيجة عملية، وشكلت الجمعية لهذا الغرض لجنة من خمسة أشخاص هم : دونان ، موانييه ، الجنرال ديفور، و الطبيبان هما ابيا و مونوار.
وبدأت هذه اللجنة اجتماعاتها عام 1863 في شهر فبراير، وجعلت من نفسها مؤسسة دائمة، وتعتبر هذه اللجنة هي الجهاز المؤسس للصليب الأحمر و المحرك الأساسي لإتفاقيات جنيف.
وفي نفس العام وجهت دعوة إلى دول العالم للاجتماع في جنيف؛ وبالفعل اجتمع ممثلو ست عشر دولة في أكتوبر 1863 ليضعوا أساس ما يسمى فيما بعد بالصليب الأحمر، و الذي كان يمثل آنذاك مشروعا لغوث الجرحى العسكريين.
ولم يكن هذا المؤتمر مخولا لمعالجة القضايا القانونية، وكان ذلك من شأن مؤتمر دبلوماسي دعي إليه العالم ، بشأن تحسين حال الجرحى العسكريين في الميدان، وكانت هذه الإتفاقية نقطة الإنطلاق للقانون الولي الإنساني كله.[9]

المبحث الثاني: المصادر الإلزامية و غير الإلزامية للقانون الدولي الإنساني.
يمكن التمييز في هذا الشأن بين المصادر الإتفاقية و المصادر العرفية و الفقه الدولي و إجتهادات القضاء الدولي.
المطلب الأول: المصادر الإلزامية للقانون الدولي الإنساني.
أولا: المصادر الإتفاقية.
مر القانون الدولي الإنساني منذ أول إتفاقية أبرمت في جنيف عام 1864 و حتى البروتوكولين الإضافيين لعام 1977 بعدة مراحل:
1ـ إتفاقية جنيف لعام 1864 بشأن تحسين حال الجرحى العسكريين في الميدان، و التي دعت الحكومة السويسرية الدول إلى توقيعها، و هي الأولى من نوعها، تمثل نقطة الإطلاق للقانون الدولي الإنساني.
2ـ اتفاقية لاهاي لسنة 1899، بشأن تعديل مبادئ اتفاقية جنيف لسنة 1964 لملائمة النزاع المسلح في البحار.
3ـ اتفاقية جنيف لعام 1906، الخاصة بتحسين حال الجرحى و المرضى العسكريين في الميدان: تعتبر الإتفاقية تعديلا و تطويرا لأحكام اتفاقية 1864 و أضفت الحماية على فئة جديدة وهم المرضى.
4ـ اتفاقية لاهاي لسنة 1907 بشأن تعديل و تطوير اتفاقية 1899 الخاصة بالنزاع في البحار.
5ـ اتفاقية جنيف لسنة 1929؛ إذ كان للحرب العالمية الأولى بالغ الأثر في تطوير أحكام القانون الدولي الإنساني، حيث انعقد مؤتمر دبلوماسي في جنيف عام 1929 خلص إلى برام اتفاقييتن:
الأولى متعلقة بتحسين حال الجرحى و المرضى العسكريين في الميدان؛ وهي صيغة جديدة معدلة ومطورة لاتفاقية عام 1906، أقرت استخدام شارتين أخريين إلى جانب الصليب الأحمر وهما الهلال الأحمر و الأسد و الشمس الأحمرين.
و الثانية و هي الخاصة بمعاملة أسرى الحرب؛ وتناولت هذه الاتفاقية في موادها السبع و السبعين أهم ما يتصل بحياة الأسير و توفير الحماية له و الاستفادة من خدمات اللجنة الدولية للصليب الأحمر ووكالتها المتخصصة لجمع المعلومات عن الأسرى و تبادلها مع ذويهم.
وكانت هذه الاتفاقية هي أول تنظيم دولي لمسألة بالغة الأهمية وهي أسرى الحرب التي لم يكن لها تنظيم حتى ذلك التاريخ إلا بصورة جزئية في لائحة لاهاي.
6ـ اتفاقية جنيف الأربع لعام 1949 و التي تعتبر الركيزة الأساس للقانون الدولي الإنساني.
ففي أعقاب الحرب العالمة الثانية، وما شهده العالم من مآسي و أضرار لحقت بالمدنيين قبل العسكريين، دعت الحكومة السويسرية إلى مؤتمر دبلوماسي انعقد في جنيف عام 1949 و أسفر عن إبرام أربع إتفاقيات:
الأولى: خاصة بتحسين حال الجرحى و المرضى بالقوات المسلحة في الميدان و هي تعديل و تنقيح لاتفاقية جنيف الأولى لعام 1929، و التي تعتبر بدورها تنقيحا و تطويرا لاتفاقية 1864 ثم اتفاقية 1906.
الثانية: خاصة بتحسين حال جرحى و مرضى و غرقى القوات المسلحة في البحار وهي تعديل و تطوير لاتفاقية لاهاي لعام 1907 التي تعتبر تعديلا لاتفاقية 1899.
الثالثة: خاصة بشأن معاملة أسرى الحرب، وهي تعديل و تطوير لأحكام اتفاقية جنيف لعام 1929.
ثم الإتفاقية الرابعة: بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، و هي أول نص شامل يتناول موضوع حماية المدنيين، في زمن النزاعات المسلحة، و هي أول اتفاقية من نوعها حيث تناولت لائحة لاهاي لعام 1907 جوانب محدودة من العلاقة بين المحتل  وسكان الأرض المحتلة.
7ـ البروتوكولان الإضافيان لعام 1977:
أقر المؤتمر الدبلوماسي المنعقد في جنيف بدعوة من الحكومة السويسرية بروتوكولين إضافيين لاتفاقيات جنيف لعام 1949:
أـ البروتوكول الإضافي الأول الخاص بالنزاعات المسلحة الدولية:
وهذا البروتوكول مكمل لاتفاقيات جنيف الأربع الصادر عام 1949، وتتضمن الباب الأول منه قاعدة هامة لشعوب العالم الثالث و مناضلي حركات التحرير، و هي النص على حروب التحرير تعد نزاعا مسلحا دوليا.
ثم الباب الثاني منه الخاص بالجرحى و المرضى المنكوبين في البحار مكملا لأحكام الاتفاقيتين الأولى و الثانية لعام 1949، و أضفى ذات الحماية على المدنيين.
أما الباب الثالث فقد تناول أساليب ووسائل القتال و الوضع القانوني للمقاتل و أسير الحرب وكان هذا الباب هو الذي دمج قانون لاهاي و قانون جنيف إذ تناول العديد من القواعد المنصوص عليها في لاهاي و أكملها بما يتلائم و النزاعات الحديثة.
أما الباب الرابع فقد اهتم بالسكان المدنيين بهدف توفير أكبر حماية لهم من أخطار النزاعات.[10]
ب ـ البروتوكول الإضافي الثاني الخاص بالنزاعات المسلحة الغير الدولية.
ن المادة 3 المشتركة بين الإتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 قد تناولت النزاعات المسلحة الغير الدولية، إلا أن البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 تطرق إليها بالتفصيل، حيث يعتبر هذا البروتوكول خطوة إيجابية كونه معاهدة مستقلة تضع القواعد الأساسية حول وسائل الحرب الواجبة التطبيق من جانب كل من الدولة و الجماعات المسلحة.[11]
إضافة إلى هذه النصوص الأساسية هناك مجموعة من المواثيق الدولية الأخرى التي تتصل بالقانون الدولي الإنساني.
·   إعلان سان بيترسبورغ  لعام 1868 المتعلق بخطر استخدام بعض القذائف المتفجرة.
·      إعلان لاهاي لعام 1899 لحظر الرصاص من نوع دمدم.
·   بروتوكول جنيف لعام 1920 لمنع استخدام الغازات السامة و الأسلحة الجرثومية.
·   اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية في زمن النزاعات المسلحة و بروتوكولاتها الإضافية.
·      اتفاقية عام 1972 بشأن الأسلحة البيولوجية.
·   اتفاقية عام 1980 بشأن حظر استخدام بعض الأسلحة التقليدية و بروتوكولاتها الأربعة.
·   فضلا عن العديد من البروتوكولات المكملة لاتفاقيتي 1954 و 1980.
وبسبب الممارسات المشينة التي شهدتها عدد من النزاعات المسلحة في عقدي الثمانيات و التسعينات، تم إبرام اتفاقية سنة 1993 بشأن الأسلحة الكيماوية و اتفاقية أوتاوا لسنة 1997، بشأن الألغام المضادة للأفراد و البروتوكول الإختياري لسنة 2000 المتعلق بحقوق الطفل بشأن مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة.
وعقب النزاعات المسلحة ذات الطابع الإثني في البلقان و في إفريقيا سيتطور القانون الدولي على صعيد التطبيق بإقرار النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. و الذي ابرم في روما عام 1998.[12]
ثانيا : المصادر العرفية للقانون الدولي الإنساني.
يظل العرف موجودا لأنه ليس في إمكان القانون المكتوب أن يتوقع كل الحالات، لهذا فهو يحيل إلى القواعد العرفية.
علاوة على ذلك فإن الدول إما أن تكون غير طرف في صكوك اتفاقية مطبقة في حالة النزاعات المسلحة أو يمكن أن تنسحب منها، فيبقى العرف مطبقا في النزاعات المسلحة.
مما تثير لنا طرح السؤال التالي:
كيف سيطبق العرف و هو غير واضح و غير متفق عليه؟
في الحالتين يقوم العرف بدورين : من جهة سد ثغرات القانون الإتفاقي أي أنه يلعب دورا مكملا، ومن جهة أخرى يقوم بدور تعويض عدم تطبيق بعض المعاهدات، وهنا يلعب العرف دور البديل للقواعد المكتوبة.
فكثيرا من القواعد واجبة التطبيق في النزاعات المسلحة الدولية مع مرور الزمان أصبحت أيضا واجبة التطبيق في النزاعات المسلحة غير الدولية بوصفها جزءا من القانون الدولي العرفي، وقد أنجزت اللجنة الدولية للصليب الأحمر سنة 1995 دراسة حول القانون الدولي العرفي، و أكدت التطور الحاصل في قواعد القانون  الدولي الإنساني، فبعد مرور قرابة 40 سنة على اعتماد البروتوكولين قد أصبحت قواعدهما الجوهرية جزءا من القانون الدولي العرفي، تلزم جميع الدول الأطراف في النزاع، و ويصدق ذلك بوجه خاص على القواعد المتعلقة بإدارة الأعمال العدائية.[13]
إن مبدأ التمييز و تعريف الأهداف العسكرية و حظر الهجمات العشوائية و مبدأ التناسب وواجب اتخاذ الاحتياطات في الهجوم تشكل جميعها جزءا من القانون الدولي العرفي بغض النظر على نوع النزاع المسلح، كذلك واجب احترام الأشخاص و الأعيان الطبية، فضلا عن الأفراد و أدوات الإغاثة الإنسانية غير المتحيزة المستخدمة في عمليات الإغاثة و حماية الممتلكات الثقافية و البيئية و الطبيعية التي تعد، جميعها، قواعد للقانون الدولي الإنساني العرفي الملزمة في جميع النزاعات المسلحة.[14]
المطلب الثاني: المصادر غير الإلزامية للقانون الدولي الإنساني.
أولا: قضاء المحاكم واجتهادها.
المقصود بقضاء المحاكم و إجتهادها مجموعة الأحكام و الأوامر التي تصدر عن الجهات القضائية الدولية المختصة بالفصل في قضايا الجرائم الدولية.
و بهذا يمكن إعتبار القرارات الصادرة منذ محاكمات الحرب العالمية الأولى خاصة منها محاكمة غيوم إمبراطور ألمانيا، و التي تعتبر أول محاولة لمحاكمة رئيس دولة في العصر الحديث، و محاكمات الحرب العالمية الثانية، التي تتمثل في محاكمة نورمبرغ لسنة 1945 م ، المختصة بمحاكمة مجرمي الحرب من رعايا دول المحور الأوروبية و الميثاق المرفق بها و كذا القرارات الصادرة عن محكمة طوكيو لسنة 1946 م التي إختصت بمحاكمة مجرمي الحرب من دول الشرق الأقصى، بالإضافة إلى القرارات الصادرة عن المحاكم الجنائية الدولية المنشأة بموجب قرار من مجلس الأمن إستنادا للسلطات المخولة له بمقتضى أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، و كل من محكمة يوغسلافيا السابقة لسنة 1993 م المنشأة بمقتضى قرار مجلس الأمن رقم 827 و محكمة رواندا المنشأة كذلك بمقتضى القرار رقم 955 الصادر عن مجلس الأمن، و ذلك لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن إرتكاب إنتهاكات جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني و جرائم إبادة جماعية في كل من إقليم يوغسلافية السابقة و رواندا. كما تعتبر القرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية في مجال القانون الدولي الإنساني اجتهادا قضائيا سواء بمناسبة إعمالها لإختصاصها القضائي مثل حكمها الصادر سنة 1986 م في القضية المتعلقة بالأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا و ضدها، الذي أكدت من خلاله المحكمة الطبيعة العرفية لاتفاقيات القانون الدولي الإنساني أو في مجال إختصاصها الإستشاري حيث نجد خاصة رأيها الإستشاري الصادر سنة1996 م بشأن» قانونية التهديد باستخدام الأسلحة النووية أو استخدامها  «و الذي أكدت فيه المحكمة أنه يجوز اللجوء إلى إستعمال الأسلحة النووية في حالة الدفاع عن النفس كما أكدت على الطبيعة الآمرة لقواعد القانون الدولي الإنساني و على طابعها العرفي.[15]
ثانيا: الفقه الدولي.
يمكن أن تشكل آراء كبار فقهاء القانون الدولي الإنساني وكتاباتهم مصدرًا إحتياطياً من مصادر القانون الدولي الإنساني، و ذلك عن طريق الكشف عن الثغرات و النواقص في الإتفاقيات ذات الصلة و لفت أنظار الدول إليها، و حثها على تبنيها في إتفاقيات دولية.
فمن عادة الفقهاء أن يدرسوا القوانين و يفسروا ما غمض منها و يشرحوا نصوصها و يشيروا إلى تطورها التاريخي و يذكروا بالإجتهادات و التطبيقات التي تتعلق بها، هذا ما يحرض الدول والحكومات على تبني آرائهم؛ و قد تعمل بهذا الإتجاه دول أخرى مما يؤدي إلى التكرار و هذا التكرار ينقلب إلى عرف و العرف إلى قاعدة قانونية، و ذلك بعد شعور الأفراد بمدى إلزاميتها.[16]







خاتمة:
أعتقد أنّ الدول الأعضاء، مدعومة من الأمم المتحدة وسائر الجهات الفاعلة، يجب أن تعمل من أجل إرساء ثقافة للحماية، وفي هذه الثقافة؛ سترقى الحكومات بمسؤولياتها، وتحترم الجماعات المسلحة القواعد المستقرة في القانون الدولي الإنساني، ويدرك القطاع الخاص أثر مشاركته في مناطق الأزمات، وتظهر الدول الأعضاء والمنظمات الدولية الالتزام الضروري بكفالة اتخاذ إجراءات حاسمة وعاجلة في مواجهة الأزمات.





لائحة المراجع:
  القرءان الكريم.
المؤلفات:
ـ أحمد عبد الظاهر، دور مجلس الأمن في النظام الجنائي الدولي، منشأة المعارف، الإسكندرية، الطبعة الأولى سنة 2013.
الأطروحات و الرسائل:
ـ أحسن كمال، آليات تنفيذ القانون الدولي الإنساني في ضوء المتغيرات الدولية للقانون الدولي المعاصر، رسالة ماجستير، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، سنة 2011.
ـ ناصري مريم، فعالية العقاب على الإنتهاكات الجسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني، رسالة ماجستير، جامعة لخضر باتنة، سنة 2009.
ـ إنصاف بن عمران، دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني، رسالة ماجستير ، جامعة لخضر ـ  باتنة، السنة الجامعية 2009ـ 2010.
المقالات والدوريات:
ـ السعدية بنهاشم الحروني، القانون الدولي الإنساني أصوله، أحكامه و تطبيقاته، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية و القضائية، سلسلة الدراسات و الأبحاث، العدد 3، دجنبر2007.
الوثائق الرسمية:
ـ ميثاق الأمم المتحدة .
ـ إتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 و البروتوكولين الملحقين لعام 1977.
ـ الإتفاقية الدولية لحماية اللاجئين 1951 و البروتوكول الملحق 1967.




[1] ـ جميل محمد حسنين، مقدمة في القانون الدولي الإنساني، دار ومكان النشر، الطبعة الأولى سنة 2010، ص: 5.
[2] ـ جميل محمد حسنين، مقدمة في القانون الدولي الإنساني، مرجع سابق، ص: 7.
[3] ـ أحسن كمال، آليات تنفيذ القانون الدولي الإنساني في ضوء المتغيرات الدولية للقانون الدولي المعاصر، رسالة ماجستير، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، سنة 2011. ص: 16.
[4] ـ أحسن كمال، آليات تنفيذ القانون الدولي الإنساني في ضوء المتغيرات الدولية للقانون الدولي المعاصر، مرجع سابق، ص: 36.
[5] ـ السعدية بنهاشم الحروني، القانون الدولي الإنساني أصوله، أحكامه و تطبيقاته، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية و القضائية، سلسلة الدراسات و الأبحاث، العدد 3، دجنبر2007،ص: 18ـ17
[6] ـ أحسن كمال، آليات تنفيذ القانون الدولي الإنساني في ضوء المتغيرات الدولية للقانون الدولي المعاصر، مرجع سابق، ص: 38.
[7] ـ السعدية بنهاشم الحروني، القانون الدولي الإنساني أصوله، أحكامه و تطبيقاته، مرجع سابق، ص: 21
[8] ـ السعدية بنهاشم الحروني، القانون الدولي الإنساني أصوله، أحكامه و تطبيقاته، مرجع سابق: ص: 22
[9] ـ ناصري مريم، فعالية العقاب على الإنتهاكات الجسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني، رسالة ماجستير، جامعة لخضر باتنة، سنة 2009،ص: 23و24.
[10] ـ السعدية بنهاشم الحروني، القانون الدولي الإنساني أصوله، أحكامه و تطبيقاته،مرجع سابق، ص: 26.
[11] ـ أحمد عبد الظاهر، دور مجلس الأمن في النظام الجنائي الدولي، منشأة المعارف، الإسكندرية، الطبعة الأولى سنة 2013.ص: 23.
[12] ـ السعدية بنهاشم الحروني، القانون الدولي الإنساني أصوله، أحكامه و تطبيقاته، مرجع سابق، ص: 27
[13] ـ السعدية بنهاشم الحروني، القانون الدولي الإنساني أصوله، أحكامه و تطبيقاته، مرجع سابق، ص: 27.
[14] ـ أحمد عبد الظاهر، دور مجلس الأمن في النظام الجنائي الدولي، مرجع سابق،ص:34.
[15] ـ إنصاف بن عمران، دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني، رسالة ماجستير ، جامعة لخضر ـ  باتنة، السنة الجامعية 2009ـ 2010.ص: 30
[16] ـ إنصاف بن عمران، دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني، مرجع سابق، ص: 32.