الجمعة، 13 مارس 2015

عمليات حفظ السلام الجديدة بعثة المراقبين الدوليين إلى سوريا نموذجا

عمليات حفظ السلام الجديدة
بعثة المراقبين الدوليين إلى سوريا نموذجا
مقدمة:
إن عمليات حفظ السلام وهي الصورة الرئيسية والهامة للنشاط المادي للأمم المتحدة في مجال حفظ السلم و الأمن الدوليين، وحيث أن نشر قوات حف السلام الدولية في أراضي دولة ما يثير كثير من القضايا القانونية خاصة مع وجود سمات مختلفة ككل عملية من عمليات حفظ السلام، لذلك فان تحديد النظام القانوني للقوات الدولية يصبح مسألة تحتاج إلى توضيح وبيان.
تباينت آراء فقهاء القانون الدولي حول الطبيعة القانونية لعمليات حفظ السلام الدولية على ضوء خلو ميثاق هيأة الأمم المتحدة من إشارة صريحة بخصوص قوات السلام الدولية، إن مسؤولية مجلس الأمن في إنشاء قوات حفظ السلام الدولية تنطلق من نص المادة 24 من الميثاق، التي أوكلت لمجلس الأمن مهمة حفظ السلام و الأمن الدوليين، كما أن المادة 33 من الميثاق، قد أعطت الحق لمجلس الأمن في اتخاذ الوسائل والإجراءات السلمية لفض المنازعات الدولية.
ويرى اتجاه آخر بان عمليات حفظ السلام تستند إلى بعض أحكام الفصل السابع من الميثاق، فالمادة 40 اعتبرت أساسا قانونيا لإنشاء هذه القوات، كما أن المادة 41 و 42 تعتبر كذلك أساسا قانونيا لإنشاء هذه القوات.
وهناك فريق آخر يقول على أن عمليات حفظ السلام، لا تنتمي إلى أي من الفصلين السادس والسابع، بل تندرج في إطار فصل جديد وسيط بين الفصلين، حيث أن هذه القوات تتميز عن عمليات القمع بأنها تدخل إقليم الدولة المعنية برضاها كما أنها تعمل كقوات فاصلة بين المتنازعين في الحروب الدولية والأهلية.
فيما ذهب فريق ثالث إلى القول بأن قوات حفظ السلام تعد جهازا ثانويا، يساعد مجلس الأمن في أداء مهامه بمقتضى نص المادة 29، التي تنص على أن لمجلس الأمن أن ينشئ من الفروع الثانوية ما يرى ضرورة لأداء وظائفه .
كما ثار خلاف بين الفقهاء حول سلطة الجمعية العامة في إنشاء هذه القوات والأساس القانوني التي تستند إليه السلطات، فهناك رأي من الفقه ذهب إلى القول بأن سلطة الجمعية العامة ترجع إلى نصوص الميثاق وخصوصا المواد من 10 إلى 14 التي تخولها اتخاذ القرارات في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، وفي مقابل ذلك هناك رأي ثاني يشير إلى أن إنشاء قوات حفظ السلام الدولية تستند إلى سلطة الجمعية العامة بإنشاء أجهزة فرعية حسب منطوق المادة 22، التي تعطي للجمعية العامة الحق في إنشاء الأجهزة الثانوية ما نراه ضروريا للقيام بوظائفها، وذهب رأي ثالث إلى القول بان سلطة الجمعية العامة في إنشاء قوات دولية لحفظ السلام مستمدة من قرار الاتحاد من اجل السلام الذي فوض للجمعية العامة الحلول محل مجلس الأمن لحفظ السلم والأمن الدوليين..
إما في ما يخص رأي محكمة العدل الدولية بتاريخ 20 يوليوز 1962 أن إنشاء قوات حفظ السلام يدخل فقط في نطاق الاختصاص المحجوز لمجلس الأمن، واعتبرت أن هذا القول قائم على أساس غير قانوني، وانتهت المحكمة إلى أن تشكيل هذه القوات لا يدخل في إطار الفصل السابع مادام إن هذه القوات ليست من أعمال القسر، بل إن إنشائها يعتبر تدبيرا وفقا للمادة 14، من الميثاق.
 حيث تكمن أهمية الموضوع في أن عمليات حفظ السلام منذ تأسيس هيئة الأمم المتحدة تخضع إلى عدة مبادئ وقد اعتبرت هذه المبادئ منذ سنة 1956، أهم العناصر الأساسية لحفظ السلام والتي تشكل في مجملها بوصلة الأمم المتحدة في الحفاظ على السلم الدولي، مع تواصل الاتجاه نحو مهمات السلام القصيرة الأمد ذات التفويض المحدد حسب ما جاء في القرار الصادر عن مجلس الأمن 2042 لإرسال بعثة للمراقبين الدوليين إلى سوريا.
 حيث تبنى مجلس الأمن بالإجماع قرارا يسمح بنشر مراقبين في سوريا للإشراف على وقف إطلاق النار.
وبموجب هذا القرار الذي حمل رقم 2042 بات بإمكان الأمم المتحدة إرسال فريق طليعي مكون من 30 مراقبا عسكريا غير مسلحين على أن تم لاحقا إرسال كامل بعثة المراقبين التي وصل عدد أعضائها إلى 250 حسب تقديرات الأمم المتحدة.
وهذا هو القرار الأول من نوعه للمجلس تجاه سوريا بعد فشل مشروعي قرارين سابقين بسبب استخدام روسيا والصين الفيتو ضدهما.
ومن أبرز ما نص عليه القرار الجديد:
·          إرسال بعثة مراقبة أولية من 30 مراقبا عسكريا غير مسلحين إلى سوريا .
·          يتولى المراقبون تنظيم التواصل بين أطراف النزاع ومراقبة مدى الالتزام بتنفيذ وقف إطلاق النار.
·          مجلس الأمن يقرر بعد وقف إطلاق النار إنشاء بعثة أممية موسعة للمراقبة .
·          بان كي مون يقدم مقترحا بشأن البعثة بعد مشاورات يجريها مع دمشق .
·          مطالبة الحكومة السورية بتسهيل نشر فريق المراقبين وضمان حرية حركتهم دون عوائق.
·          مطالبة جميع الأطراف بضمان سلامة البعثة والمسؤولية الأكبر تقع على عاتق الحكومة.

·          مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة بالإبلاغ عن أية عوائق تحول دون تنفيذ مهام البعثة.
·          مطالبة الحكومة السورية بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة.
·          إدانة كافة انتهاكات حقوق الإنسان من قبل جميع الأطراف ومحاسبة المسؤولين عنها.
·          مطالبة الحكومة السورية بالوفاء بالتزاماتها المتعلقة بعدم تحريك قوات عسكرية إلى داخل المدن. ومن الشروط الأساسية لاشتغال هذه القوات هي:
أولا: موافقة أطراف النزاع.
تعتبر موافقة الدولة المضيفة لقوات حفظ السلام عنصرا أساسيا في نظرية حفظ السلام، فنشر قوات الأمم المتحدة لا يجري إلا بموافقة الأطراف الأساسية في النزاع، لأن مبدأ السيادة ما يتفرع منه من احترام سلامة الأراضي يحميان أية دولة ضد دخول أراضيها وتبدو أهمية هذا العنصر، في أن الدول لا تقبل إلا على مضي وجود قوات عسكرية أجنبية على أراضيها، حيث إن قبول وموافقة الأطراف المشاركة ضروري من إمكانية نجاح المهمة وضمان تعاون الأطراف المعنية.
فيما يخص النزاعات الداخلية فيجب أن تتمتع قوات حفظ السلام بموافقة القادة المتمردين أو قسما منه، إلى جانب رضا السلطات المتمثلة للدولة لأنه من الطبيعي أن يجري الوقوف على آراء جميع الأطراف المعنيين بالنزاع، وإلا فإن العملية قد لا تلاقي كل التعاون الضروري لنجاحها كما هو الحال مع الحالة السورية.
ثانيا: عدم التحيز.
إن الحيادية مبدأ أساسي للحفاظ على موافقة وتعاون الأطراف الرئيسة في النزاع كالموضوعية التي عن طريقها يتم تنفيذ العمليات أكثر من الخضوع لرغبة الأطراف المشاركة.
وتعتبر الحيادية من وجهة نظر كونها أوكسجين حفظ السلام وبدونها لا يمكن لعمليات حفظ السلام أن تنجح أو أن تكتسب ثقة الطرفين، لذلك فإن عملها يجب أن يتسم بالوضوح والشفافية، وإبقاء جميع خطوط الإتصال مفتوحة في وجه جميع الأطراف المشاركة، لأن التخلي عن هذا المبدأ بقصد أو غير قصد يعني أن قوات حفظ السلام يمكن أن تصبح عدوا للأطراف المشاركة.
ويمكن أن يتعرض مبدأ الحياد إلى الخطر عندما يلجأ أحد أطراف النزاع إلى وضع العراقيل والعائق أمام قوات حفظ السلام للمراقبين الدوليين لتحول بينها وبين بلوغ أهدافها وغاياتها.
ثالثا: عدم استعمال القوة إلا في حالة الدفاع عن النفس:
إن قوات حفظ السلام الدولية، لا تملك استخدام القوة العسكرية انطلاقا من العمليات التي تقوم بها والتي تستند إلى رضا الدول الأطراف في النزاع ولا تهدف إلى ترجيح كفة فريق على آخر في الميدان، وهي ليست أداة لفرض السلام، بل يتم تزويدهم بأسلحة دفاعية خفيفة، ولا يسمح لهم باستخدامها إلا في الدفاع عن النفس.

أسباب اختيار الموضوع:
يعود اختيارنا لدراسة موضوع: عمليات حفظ السلام الجديدة بعثة المراقبين الدوليين في سوريا إلى الأسباب الآتية:
ـ قلة الدراسات المتخصصة التي تتناول بالدراسة والتحليل عمليات حفظ السلام الجديدة وهذه الدراسات إن وجدت فإنها تكون عبارة عن موضوعات فرعية بين مواضيع القانون الدولي.
ـ تزايد حالات التدخل الدولي لأسباب إنسانية في الفترة الأخيرة وخاصة التدخل الذي يتم من طرف الأمم المتحدة، مما جعل موضوع التدخل موضوعا هاما للبحث فيه من جميع جوانبه.
و تتمحور الإشكالية الرئيسة للبحث حول موضوع عمليات حفظ السلام الجديدة التي تثير جدلا فقهيا وقانونيا كبيرا، على ضوء التطورات الإقليمية و الدولية الجديدة في ظل المشهد السوري لحل الأزمة.
اعتمدنا في دراستنا لموضوع التدخل الدولي لأسباب إنسانية على مجموعة من المناهج لتلاؤمها مع طبيعة وموضوع البحث والمسائل التي يثيرها من أهمها:
المنهج القانوني: عن طريقة دراسة قرارات مجلس الأمن بهذا الخصوص خاصة القرار الأممي الصادر عن هذا المجلس رقم 2042 سنة 2012.
المنهج التاريخي: من خلال تتبع التطور التاريخي لعمليات حفظ السلام الدولية الجديدة من فترة ما بعد الحرب الباردة إلى يومنا هذا.
المنهج التحليلي: من خلال الرجوع إلى الأسس القانونية التي تعتمد عليها عمليات حفظ السلام الدولية بتحليل مواد ميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية المختلفة التي عنت بهذا الموضوع ، فضلا عن التطرق للآراء الفقهية القانونية التي تتعرض بالدراسة .

المنهج الاستقرائي: من خلال التطرق للدراسة التطبيقية لعمليات حفظ السلام الدولية الجديدة و المتمثلة في بعثة المراقبين الدوليين في سوريا، وذلك بالتعرض لمختلف أسباب ومبررات التدخل( تعليلها) وأسسها القانونية المختلفة، وتتبع مراحلها المتلاحقة للوصول بذلك إلى مدى تطبيقها للقواعد الدولية المؤسسة للتدخل الدولي لأسباب إنسانية تطبيقا سليما على الواقع، ومدى توافقها مع تحقيق الأغراض التي شرع من اجلها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق