الأحد، 22 مارس 2015

المنظمات الدولية الحكومية


o  مقدمة:
انتقل المجتمع الدولي من الدبلوماسية التقليدية التي سيطرت خلال الفترة التاريخية التي
كانت فيها القرارات الدولية تتخذ في نطاق مجموعة محدودة من القوى الدولية الكبرى،
وبالأخص القوى الأوروبية[1]،إلى دبلوماسية متعددة الأطراف التي تعرف بروز مكون قوي
بالإضافة إلى الوحدات السياسية التقليدية.
فالمنظمات الدولية ساهمت بشكل كبير في تحريك مفهوم المفاوضات لتدبير النزاعات
الدولية،وهو ما برز مع عصبة الأمم،إلا أن هذه التجربة كانت نتائجها ضعيفة حيث سرعان
ما عاد العالم إلى حرب عالمية ثانية.
ويمكن تعريفالمنظمات الدولية بأنها مؤسسة أو هيئة تتفق مجموعة من الدول على إنشائها
بمقتضى ميثاق يمنحها الشخصية القانونية ويبين الأهداف التي قامت لأجلها والأجهزة التي
تمكنها من تحقيق هذه الأهداف.[2]
وقد تطور دور المنظمات الدولية الدبلوماسي،خصوصا مع بروز هيئة الأمم المتحدة التي
عملت جاهدة على تدبير عملياتي للأزمات الدولية انطلاقا من تدبير دبلوماسي متعدد
الأطراف.
وتأتي دراسة مفهوم دبلوماسية المنظمات الدولية،انطلاقا مما أصبحت تكتسيه هذه العملية
في النظام الدولي،والوقوف على طبيعة الحصانات والامتيازات الدبلوماسية للمنظمات
الدولية،وآلية التدبير الدبلوماسي للقضايا الدولية.
والمنظمة الدولية تباشر دورها إنطلاقا من الإرادة المشتركة للدول،وإنطلاقا من المصلحة
الوظيفية وتحقيق العمل المشترك.
والشخصية القانونية للمنظمات الدولية هي المحدد الرئيسي لفعالية المنظمات الدولية،هذا
إلى جانب الشخصية القانونية تعتبر المواثيق العامة والخاصة،والقوانين والتشريعات
الوطنية مصادر لجميع الحصانات والامتيازات الممنوحة للمنظمات الدولية.
وتأسيسا على ما سبق إلى أي حد ساهمت الحصانات والامتيازات الدبلوماسية للمنظمات
الدولية في بلورة دبلوماسية فعلية في النظام الدولي؟.
ولتحليل هذا الموضوع تم الاعتماد على:
-المنهج الوصفي التحليلي.
-المنهج التاريخي.
-المنهج القانوني.
المبحث الأول:حصانات وامتيازات المنظمات الدولية
نشأ قانون الدبلوماسية متعددة الأطراف خصوصا على إثر نشأة المنظمات الدولية ولذلك
فهو أثر من آثار هذه الأخيرة،وتقتضي دراسة قانون الدبلوماسية متعددة الأطراف الإشارة
في (المطلب الأول:الىالحصانات المقررة للمنظمات الدولية)،وكذلك في  (المطلب الثاني:الىحصانات
مبعوثي الدول لدى المنظمات الدولية).
المطلب الأول:حصانات المنظمات الدولية
ترتب على ظهور المنظمات الدولية كأشخاص دولية ومنحها العديد من الوظائف ضرورة
تقرير بعض المزايا والحصانات اللازمة لحسن قيامها بوظائفها،ولاشك أن الحصانات و
المزايا الدبلوماسية كانت أسبق من حيث ظهورها من تلك الممنوحة للمنظمات الدولية،بل
يمكن القول أنها اتخذت أساسا إلى حد ما في تقرير هذه الأخيرة وتطويرها.[3]
تتمثل أهم الحصانات والمزايا التي تمنح للمنظمة في تمتعها بالشخصية القانونية وحصانة
مقرها ومحفوظاتها ووثائقها وأموالها والإعفاء من الضرائب والرسوم،والتسهيلات الخاصة
بوسائل الاتصال والحصانة ضد التقاضي.[4]
القفرة الأولى:حصانة المقر:
أ-الشخصية القانونية:
تتمتع المنظمة الدولية على أراضي كل دولة عضو بالشخصية القانونية ويكون لها الأهلية
في التعاقد واقتناء الأموال الثابتة والمنقولة وحق التقاضي،غيرأن الاعتراف للمنظمة بالشخصية
القانونية لا يعني التسليم للمنظمة بها على المستوى الدولي،لأن غرض إتفاق المقر هو
تنظيم الوضع القانوني للمنظمة،فوق إقليم الدولة أي في إطار نظامها القانوني الداخلي،
وإن كان مجرد إبرام معاهدة دولية مع المنظمة يعني التسليم لها بمزيد من مزايا الشخصية
الدولية.
ب-حرمة المباني:
تكون مصونة حرمة المباني التي تشغلها المنظمات الدولية ولا تخضع أموالها ولا
موجوداتها أينما كانت وتحت يد من كانت لأية إجراءات تفتيش أو استيلاء أو مصادرة
أو نزع ملكية أو لأي نوع آخر من أنواع الإجراءات الجبرية الإدارية القضائية والتشريعية،
كما تكون مصونة حرمة المحفوظات والوثائق بكافة أنواعها أينما وجدت،والالتزام بعدم
التعرض للمباني الدبلوماسية التي استقر عليها العرف الدولي من قدم،وتنص اتفاقات المقر
صراحة على تمتع مباني المنظمات بهذه الحصانة وكذلك اتفاقيات حصانات وامتيازات
الأمم المتحدة لسنة 1946.[5]
فمباني الأمم المتحدة في الولايات المتحدة الأمريكية تتمتع طبقا للنصوص الواردة في القسم
الثاني من القانون العام الأمريكي رقم 291 بالحصانة من التفتيش أو المصادرة وبحرمة
محفوظاتها وتنص أيضا على ذلك الفقرة الأولى من القسم التاسع من اتفاقية المقر.[6]
كما تلتزم الدولة المضيفة بعدم دخول أي مبنى من المباني التابعة للمنظمة إلا بإذنها
ويترتب على ذلك بطلان دخول المحضرين والإجراءات الإدارية والقضائية والتنفيذية
المتخذة داخلها،ويرد على ذلك الاستثناءات التالية:
1-يتجه هذا الرأي إلى إباحة الدخول في أحوال الدفاع الشرعي عن النفس وتطبيقا لذلك تتضمن
بعض اتفاقات الإقامة نصوصا تعطي للدولة الحق في اتخاذ كل الإحتياطات اللازمة
للمحافظة على سلامة وأمن الدولة ولاشك في أن هذا الاتجاه سليم لأن مصلحة الدولة يجب أن
تحجب الاعتبارات الأخرى.
2-أحوال الضرورة كحدوث حريق أو قيام الدليل على نية ارتكاب جريمة داخل المبنى،
ويتجه هذا الرأي إلى أن القوة القاهرة تتضمن الإذن الضمني بالدخول.[7]

وتبعا لذلك فلا يجوز اقتحام المنظمة أو دخولها إلا في حالة موافقة هذه الأخيرة مما يعني
أن المنظمة هي الرقيب الأول على كل ما يحدث داخلها،وعلى ذلك إذا لم تطلب المنظمة
من السلطات المختصة في دولة المقر التدخل أو اتخاذ ما يلزم داخلها فلا يجوز لهذه
الأخيرة التدخل،ويحتم ذلك ضرورة تعيين حدود مقر المنظمة وهو ما تقوم فعلا المنظمات
الدولية بالاتفاق عليه مع دولة المقر.[8]
إلا أن الحصانات الممنوحة لمقر المنظمة يطرح بعض المشاكل نذكر منها:
القانون الواجب التطبيق داخل المقر:
تجدر الإشارة هنا إلى أن التنظيم الهيكلي والتشريعي ناقص في هذه الناحية،وأنه ما لم يوجد
اتفاق يقضي بخلاف ذلك يطبق القانون الداخلي واختصاص المحاكم الداخلية وهو ما نصت
عليه المادة الثالثة من الفصل 7 من اتفاقية المقر المبرمة بين الأمم المتحدة والولايات
المتحدة الأمريكية.
وقد أصدرت الأمم المتحدة ثلاث لوائح بخصوص نظام الضمان الاجتماعي وشروط
الوظائف وسريان الخدمات داخل المقر،وكذا لائحة بشأن الأضرار الواقعة داخل المقر،ولم
تصدر المنظمة الدولية لوائح بخصوص المسائل الجنائية،فإذا ارتكب موظف دولي من
الطبقة الدنيا جريمة داخل مقر المنظمة وقبض عليه من طرف الشرطة فلا يحق له أن يدفع
بحصانته لأنها لا تسري إلا على أفعاله الرسمية.[9]
منح اللجوء وإيواء الأشخاص:
يترتب على منع السلطات المحلية من دخول المباني منع الأخيرة من استخدام حق الملجأ
وإيواء الأشخاص الفارين من العدالة وكذلك الفارين من الاضطهاد السياسي، وتنص بعض
اتفاقات المقر على منع المنظمات من استخدام مبانيها لإيواء الفارين من العدالة،فنجد أن
الفقرة الثانية من القسم التاسع من اتفاقية الإقامة التي عقدتها الأمم المتحدة مع الولايات
المتحدة الأمريكية تنص صراحة على ذلك.[10]
ج-حصانة محفوظات ووثائق المنظمة وأموالها:
لا يجوز انتهاك حرمة وثائق ومحفوظات وأرشيف المنظمة أو تلك التي قد تكون في
حيازتها أينما وجدت وفي أي يد كانت ويسري ذلك على جميع سلطات الدولة المضيفة
بما في ذلك المحاكم التي لا يجوز لها أن تصدر أمرا إليها بالكشف عن وثائق معينة
أو إيداعها للإطلاععليها أو غيرها من الأمور.
وتتمتع كذلك أموال المنظمة وأصولها وممتلكاتها أينما كانت وأيا كان الحائز لها بحصانة
ضد التفتيش أو الاستيلاء أو المصادرة،أو نزع الملكية أو أي نوع من أنواع الإكراه
التنفيذي أو القضائي أو التشريعي[11]،كما تعفى المنظمات الدولية  من الضرائب المباشرة
والرسوم الجمركية ومن أي حضر أو قيد على الواردات أو الصادرات الخاصة
باستعمالها الرسمي.
د-التسهيلات الخاصة بوسائل الاتصال
تعامل الرسائل الرسمية للمنظمات في أقاليم الدول الأعضاء معاملة لا تقل امتيازا عن
معاملة تلك الدول لرسائل أي دولة أخرى وبعثاتها الدبلوماسية،ولا تخضع مكاتبها ورسائلها
الرسمية الخاصة بها لأي رقابة،كما يجوز لها استعمال الرمز في رسائلها وفي إرسال
وتسلم مكاتبها برسول خاص أو بحقائب يكون لها وللرسول الخاص نفس المزايا
والحصانات الخاصة بالرسول والحقائب الدبلوماسية.[12]
ه-الحصانة القضائية:
تمنح هذه الحصانة للمنظمات الدولية على غرار الامتياز المعترف به للدول بأن تنجو من
الملاحقات القضائية أمام المحاكم الوطنية لدولة المقر،ويبدو من المعقول الحفاظ في مجال
الحصانة القضائية للمنظمات على أوسع ميدان تطبيق بالنظر إلى انغراسها الضروري
في إقليم الدولة.[13]
وعلى عكس ذلك أصدرت محكمة النقض الإيطالية سنة 1962 قرار رفضت من خلاله منح
منظمة الزراعة والأغذية "الفاو" الحصانة القضائية أثناء نظرها في خلاف متعلق بعقد
إيجار بناء مكاتب رغم أن إيطاليا صادقت على اتفاقية واشنطن لسنة 1950 والمتعلق
بتمتيع المنظمة وممتلكاتها في أي مكان وأي بلد كانت بالحصانة ضد أي إجراء إلا إذا
تنازلت عن حصانتها صراحة.
الفقرة الثانية: حصانة الموظفين والمستخدمين الدوليين:
الموظف الدولي هو المكلف من عدة ممثلين للدول الأعضاء في المنظمة الدولية أو من
الهيئة الدولية ذاتها أو أحد أجهزتها باسمهم بناءا على اتفاق الدول وبرقابة إحداها أو بعضها
أو جميعها وذلك على أساس تطبيق قواعد معينة لها صفتها القانونية بطريقة مستمرة
ومطلقة لمصلحة الدول المعنية،ويقوم الموظف الدولي في المنظمة الدولية المنشأة بحكم
الاتفاق بين الدول الأعضاء وهو لا يؤدي الخدمة للدولة بالذات بل للمنظمة ومصالح
الدول الأعضاء الدولية بحكم الميثاق وهكذا فهو يباشر عملا له صفة الدولية فهو يتلقى
تعليماته من المنظمة ويباشر مصالحها فحسب[14]،من أجلذلك تقدمت محكمة العدل الدولية
بتعريف دقيق للموظف والمستخدم الدولي في رأيها الاستشاري لسنة 1949.
ويتمتع الموظف الدولي بمجموعة من الحصانات لكن هؤلاء الموظفين فئات:
أ-فئة كبار الموظفين:
كالأمين العام وجميع الأمناء المساعدين،هؤلاء يتمتعون بالحصانات والامتيازات التي يتمتع
بها الدبلوماسيون طبقا للقانون الدولي،فالأمين العام والأمناء المساعدين يتمتعون وأزواجهم
وأولادهم بنفس الامتيازات والحصانات والتسهيلات والإعفاءات الممنوحة للمبعوثين
الدبلوماسيين بموجب القانون الدولي.[15]
ب-فئة الموظفين الذين يتم تعيينهم من قبل المنظمة:
يحدد الأمين العام فئات الموظفين الذين يستفيدون من هذه الحصانات والامتيازات وتعد
قائمة بأسمائهم إلى الجمعية العامة،تبلغ بعدها إلى حكومات الدول الأعضاء كما أن أسماء
الموظفين في هذه الفئات تبلغ دوريا إلى حكومات الدول الأعضاء[16]،وتتمتع هذه الفئة
بالامتيازات والحصانات التالية:
-الحصانة القضائية فيما يتعلق بالأعمال التي يقومون بها بصفتهم الرسمية أضف إلى ذلك
ما يتفوهون ويكتبون.
-الإعفاء الضريبي فيما يتعلق بأجورهم التي ليس عليهم التصريح عن مبلغها للإدارة
المحلية.[17]
-الإعفاء من الالتزامات المتعلقة بالخدمة الوطنية
-الإعفاء بالنسبة لزوجاتهم ولأفراد عائلتهم الذين يعولونهم من جميع قيود الهجرة ومن
الإجراءات الخاصة بقيد الأجانب.
-الالتزامات نفسها الممنوحة للموظفين الذين يعادلون مرتبتهم والتابعون للبعثات
الدبلوماسية لدى الحكومة صاحبة الشأن وذلك فيما يتعلق بتسهيلات القطع.والتسهيلات
نفسها لهم ولأزواجهم ولأفراد عائلاتهم الذين يعيشون على عاتقهم والتي يتمتع بها
المبعوثون السياسيون أثناء الأزمات الدولية والخاصة بالترحيل إلى الوطن.
-إدخال أثاثهم وأمتعتهم معفية من الرسوم عند أول استلام لوظائفهم في البلاد صاحبة
الشأن.[18]
-أما بالنسبة لباقي الموظفين الإداريين فهؤلاء لا يتمتعون بأي حصانات.
-وأما الخبراء الذين تستعين بهم المنظمات الدولية فمن الطبيعي أن يتمتع هؤلاء بالمزايا
والحصانات اللازمة لممارستهم لوظائفهم بطريقة مستقلة مثل عدم إمكانية احتجازهم،
والحصانة ضد التقاضي وحصانة أوراقهم ووثائقهم وحق استخدام الرمز أو الشفرة
أو تلقي وثائق أو مراسلات بواسطة حامل للحقيبة أو في حقائب مختومة.[19]
وهناك أشخاص آخرون يتمتعون ببعض المزايا والحصانات،كالذين يحضرون مثلا لتقديم
بعض المعلومات أو الشهادات أمام لجنة التحقيق،أو بحضور حلقة دراسية وكذلك ممثلي
المنظمات الدولية غير الحكومية،وأيضا أفراد قوات حفظ السلام الذين يتمتعون بالحصانات
والامتيازات طبقا للاتفاقات الثنائية المبرمة بين الدول والمنظمات الدولية كالاتفاقات
المبرمة بين الأمم المتحدة ومصر وقبرص وكذلك وفود حركات التحرير الوطنية.[20]
المطلب الثاني:حصانات مبعوثي الدول لدى المنظمات الدولية
في الواقع إن العمل في المنظمات الدولية ينص على تمثيل الدول الأعضاء في هذه المنظمة،
وفي أغلبية الحالات فإن هذا التمثيل،يتخذ شكلا دائما يحمل اسم المفوضية أو الممثلية أو
البعثة الدائمة،وقد ولد هذا النموذج في عهد عصبة الأمم،وتطور بشكل أكثر اتساعا مع
ولادة الأمم المتحدة والعديد من منظماتها المتخصصة.
ولتحقيق الأهداف المرجوة من البعثة،والتي حددتها اتفاقية 1975 والمتمثلة في: ضمان
تمثيل الدولة الموفدة لدى المنظمة،والاحتفاظ بالصلة بينهما وإجراء المفاوضات،وكذا تعزيز
النشاطات في المنظمة وإطلاع حكومة الدولة الموفدة بهذا الصدد، وحماية المصالح المتبادلة
بينهما،وغيرها من الأهداف،تم من خلالها منح هذه البعثات الحصانات والامتيازات الاتية.[21]
الفقرة الأولى: حصانات وامتيازات البعثة:
في البداية يمكن التساؤل في ما إذا كان بإمكان الدولة المضيفة أن تقوم بتقييد امتيازات
وحصانات البعثات لأسباب سواء كانت متعلقة بالمعاملة بالمثل أو لأسباب تتعلق بتردي
العلاقات الثنائية،ما بين الدولة المضيفة والدولة الموفدة والملاحظات التي أبدتها الحكومة
البلجيكية بلجنة القانون الدولي،التي عبرت عن رأي بلجيكا لصالح المعاملة بالمثل،والنقطة
الجوهرية لا تثير أي شك،فالبعثة تم انتدابها لدى الأمم المتحدة وليس لدى دولة المقر.
وبناء عليه فإنه لا يفترض أن يعتمد منح الامتيازات والحصانات للبعثات الدائمة على أساس
العلاقات القائمة مع الدول المضيفة،وقد اعترف المستشار القانوني لوزارة الخارجية
الأمريكية سنة 1946،بهذه المسألة حيث قال أن:(منح الامتيازات والحصانات المنصوص
عليه في المادة 105 من ميثاق الأمم المتحدة،يجب أن لا تعترضه أية عراقيل من خلال
الإشتراطات الوطنية للمعاملة بالمثل أو للإجراءات الوطنية للثأر ما بين الدول.[22]
وفي الواقع فان وجة النظر هذه،تتجاهل حقيقة العلاقات الدولية في صورتها الثلاثية وأن التي
تمنح الامتيازات والحصانات لم تكن المنظمة،ولكن الدولة ذات السيادة على إقليمها حيث
يوجد مقر المنظمة،وفيما إذا عاملت الدولة الموفدة بشكل تمييزي،من ناحية الحصانات
والامتيازات بعثة الدولة المضيفة في علاقاتها الجانبية.ليس هناك ما يثير التعجب أن تقوم
الدولة المضيفة باللجوء إلى المعاملة بالمثل،فيما يتعلق بالتسهيلات التي تمنحها في إقليمها
على الدولة الموفدة ما عدا الالتزام الذي تفرضه الاتفاقيات حول هذه النقطة،فإنه يبدو بأن
لعبة المعاملة بالمثل تبدو شرعية،فيما إذا نظرنا إلى المسألة من ناحية الثأر.
يضاف إلى ذلك أن نص المادة 105 من الميثاق واتفاقية الامتيازات والحصانات حددت
الامتيازات إلى ذلك الذي يبدو ضروريا لممارسة المهمات بالمنظمة،وأن المعاملة بالمثل
لا يمكن أن تكون شرعية فيما إذا ترتب على تطبيقها بعض الأضرار بالمهمات المناطة
بالبعثة.[23]
كما أن المستشار القانوني للأمم المتحدة،عارض الثنائية خلال الاجتماع الذي عقد سنة
1967 في اللجنة السادسة للجمعية العامة وأكد على وضوح المادة 105 واتفاقية 1946،
وأكد على الطبيعة الخاصة للاتفاقية حول الامتيازات وحصانات الأمم المتحدة،الاتفاقية ترجع
على الأقل إلى الأطراف من الأعضاء ونصت على أن هذه الاتفاقية ما بين الأمم المتحدة
وكل عضو.
والأعضاء يخضعون للمنظمة لا إلى الدول الأخرى الأطراف في الاتفاقية. إذ أكد بأنه من
مصلحة المنظمة تأمين لممثلي الدول الأعضاء الامتيازات والحصانات الضرورية لهم من
أجل الحضور والمشاركة بكل حرية في الاجتماعات والمؤتمرات.
ومنه يمكن أن نقول أن الامتيازات والحصانات الممنوحة لهذه البعثات هي في جوهرها
نفس تلك التي تمنح للبعثات الدبلوماسية الدائمة أي ما يقصد بحرية التنقل،حيث أن المادة
26 من اتفاقية سنة 1975 نسخة مصورة من تلك التي نصت عليها اتفاقية 1961،والتي
تمتد إلى امتياز التنقل لأعضاء عائلةالبعثات.لكن ذلك لم يمنع من أن تلجأ الدولة المضيفة
إلى اتخاذ إجراءات للأمن،ومن وجهة نظر سياسية في تقييد حرية بعض البعثات كما تحاول
الولايات المتحدة الامريكية دائما إزاء البعثة الدبلوماسية الكوبية لدى الأمم المتحدة.
وأن مسألة حماية البعثات الدبلوماسية في الدول المستقبلة وبشكل خاص ضد التظاهرات
والأعمال العدائية من الأفراد أو جماعات الضغط،تمثل بشكل مؤكد،حالة مقلقة في
نيويورك.[24]
وقد كانت المادة 33 من اتفاقية 1975،شبيهة بالمادة 22 من اتفاقية فيينا من خلال تأكيدها
التالي:
"في حالة حدوث اعتداء ضد مباني البعثة على الدولة المضيفة أن تتخذ الإجراءات المناسبة
لمقاضاة الفاعل وعقاب الأشخاص الذين يرتكبون الاعتداء".
كما أن المادة 24 من اتفاقية 1975 قد نصت على الحصانات الضريبية على مباني البعثة
ومسكن رئيس البعثة.[25]
الفقرة الثانية: حصانة أعضاء البعثة:
إن الذين يستفيدون من الامتيازات الدبلوماسية هم رؤساء البعثات وأعضاء الممثليات
الدائمة يتمتعون بحصانات وامتيازات مثلها مثل التي تمنح للممثلين الدائمين للدول
بعضها مع بعض.
وذلك استنادا إلى ما قد تتعهد به إزاء المنظمة الدولية،بحيث إذا خرقت الدولة المضيفة هذا
التعهد بالنسبة لبعض الوفود فإنها تعتبر مسؤولة أمام المنظمة الدولية وليس أمام الدولة
الموفدة.
يستند منح هذه الامتيازات والحصانات إلى فكرة تسهيل مهمة أعضاء الوفود الدائمة،ولا
علاقة لها بمبدأ المعاملة بالمثل التي يتعذر تطبيقه في هذا المجال[26]،وكمثال على هذا فإن الولايات المتحدة الامريكية الدولة المضيفة للأمم المتحدة،حصرت إفادة أعضاء الوفود التي لم تعترف بها من هذه
الحصانات والامتيازات بالمنطقة الإدارية الموجودة فيها مساكنهم ومكاتبهم وأثناء سفرهم
في مهمات رسمية خارجها.
وتجدر الإشارة إلى أن الدول الأعضاء بالأمم المتحدة يجب عليها ألا تتسبب في أي ضرر
للمفوضين الذين يمرون بأراضيها،وأن التزاماتها لا تقبل المناقشة في هذا الصدد بموجب
المادة 105 من الميثاق.
ففي سنة 1966 قامت السلطات الغانية باعتقال 19 عضوا من مفوضية غيينا لحضور
مؤتمر منظمة الوحدة الإفريقية لدى مرورهم في مطار أكرا،هذه الحادثة دفعت الجمعية
العامة للأمم المتحدة أن تصدر توصياتها رقم 2328 لسنة 1967،حيث عبرت عن أسفها
في عدم احترام قواعد القانون الدولي المنظمة للامتيازات والحصانات الدبلوماسية و الامتيازات الخاصة بالأمم المتحدة.
ومن بين المشاكل التي تتعرض لها هذه البعثات إعلان دول المقر لأفراد هذه البعثات
أشخاص غير مرغوب فيهم.
وفي هذا الصدد فإن الحكومة النمساوية،أقرت بأن مفهوم شخص غير مرغوب فيه،لا
ينطبق على الممثليات الدائمة لدى الأمم المتحدة في مقرها في فيينا،وإذا ما طبق هذا النظام
فإنه سيكون ما بين السكرتارية العامة حيث ينتدب لديها الدبلوماسي وما بين هذا
الدبلوماسي.
ومن جهتها فإن الأمانة العامة للأمم المتحدة،قد أكدت تطبيق نظرية الشخص غير مرغوب
فيه بين الممثليات الدائمة والمنظمة.
ومن المؤكد أنه إذا تمتعت بعثات الدول الأعضاء بالحصانات فإن ذلك من أجل الممارسة
الحرة،وبكل استقلالية لمهماتها من أجل انتهاك قوانين الدولة المضيفة.
وبالمقابل فإن أغلبية اتفاقيات المقر تحتوي على نص يحتفظ بحق دولة المقر في اتخاذ
الإجراءات الضرورية في حماية أمنها القومي من تجاوزات أعضاء البعثات.وقد شهد
تطبيق مختلف حالات طلب الاستدعاء والطرد ومنع الدخول إلى أراضي دولة المقر
وخصوصا في الحالات التي يتهم فيها عضو البعثة بالتجسس أو النشاطات الإرهابية،
وهي الاتهامات التي كثيرا ما كانت الولايات المتحدة الأمريكية،تلصقهابدبلوماسيي الدول
الاشتراكية خاصة المعادية للسياسة الأمريكية،كما في حالة استبعاد الممثل الدائم لنيكارجوا
لدى الأمم المتحدة سنة 1988.[27]
المبحث الثاني:الممارسة الدبلوماسية للمنظمات الدولية
أن تمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية التي يترتب عليها تمتع المنظمات الدولية
بالحصانات والامتيازات هو الداعم الأساسي لدفع المنظمات الدولية للعب أدوار طلائعية
سياسيا وقانونيا لتدبير الأزمات الدولية من خلال آلية الدبلوماسية الوقائية(مطلب أول)،
إلا أن هذا التدبير غالبا ما يصطدم بمجموعة من المعيقات التي تحد من فعاليته
(مطلب ثاني).
المطلب الأول:الدبلوماسية الوقائية للمنظمات الدولية
تعني الدبلوماسية الوقائية بذل الجهود الدبلوماسية من أجل تخفيف التوتر قبل أن يؤدي إلى
نشوب الصراع فإذا نشب الصراع تم العمل بسرعة على احتوائه وعلاج أسبابه، ويمكن أن
يتولى مهام الدبلوماسية الوقائية الأمين العام شخصيا،أو يقوم بتكليف كبار الموظفين أو عن
طريق الوكالات والبرامج المتخصصة أو بواسطة مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو
المنظمات الإقليمية بالتعاون مع الأمم المتحدة.
وتتطلب الدبلوماسية الوقائية اتخاذ تدابير بناءالثقة،وتحتاج إلى إنذار مبكر يقوم على جمع
المعلومات وتقصي الحقائق بصورة رسمية أو غير رسمية ،كما قد تتضمن انتشارا وقائيا
لممثلي الأمم المتحدة وفي بعض الحالات إنشاء مناطق منزوعة السلاح.[28]
وفي هذا الإطار حاول الأمين السابق للأمم المتحدة بطرس غالي بعث فكرة الدبلوماسية
الوقائية لمنع حدوث النزاعات،وقد تقدم الأمين العام بمشروعه هذا سنة 1992 في
تقريره المسمى "أجندة السلام"[29]،التي يوضح فيها أبعادا جديدة لاستتاب السلم والأمن
في العالم.
حيث يرى عدم وجود اللجوء إلى الدبلوماسية بعد اندلاع النزاع،بل لابد من اللجوء إليها عند
بروز أولى الأسباب المؤدية إليه.[30]
الفقرةالأولى:الدبلوماسية الوقائية وحماية السلم والأمن الدوليين:
اتجهت الأمم المتحدة منذ بداية التسعينيات إلى تكوين مبادئ ومفاهيم جديدة تتعلق بمعالجة
الفوضى والعنف المسلح في المجتمع الدولي،وقد تجلى هذا الاتجاه بصفة خاصة في مبدأ
الدبلوماسية الوقائية التي من جملة أهدافها:
-اكتشاف النزاعات في وقت مبكر ومحاولة إزالة الخطر.
-حل القضايا التي تؤدي إلى اندلاع النزاع من خلال المسارعة بالدخول في عملية السلام.
-بناء السلام من خلال بذل  الجهود في دعم وتوفير المساعدات الإنسانية.
-حصر أسباب النزاع والتدخل لفظه ومنع تجدده مستقبلا.[31]
وقد أشارت أجندة السلام إلى جملة من الآليات التي تعتمدها الدبلوماسية الوقائية لتحقيق
أهدافها:
1-تدابير بناء الثقة:
تعتبر الثقة المتبادلة وحسن النوايا أساسيان في التخفيف من احتمالات اندلاع الصراع بين
الدول ويمكن اللجوء إلى تدابير الثقة المتبادلة إذا ما توافرت الإرادة لدى الحكومات المعنية
ومن أمثلة هذه التدابير تبادل المعلومات العسكرية بصورة منظمة كتشكيل مراكز إقليمية
وشبه إقليمية لتقليل المخاطر ووضع ترتيبات للتدفق الحر للمعلومات بما في ذلك رصد
اتفاقات التسلح الإقليمية.[32]
2-تقصي الحقائق:
إن إيجاد الحلول للنزاعات يتطلب وجود تفهم للتطورات والاتجاهات الدولية يقوم على
تحليل سليم وعلى معرفة آنية ودقيقة للحقائق أي تقصي الحقائق ،كما يتطلب توافر إرادة
لاتخاذ الإجراءات الوقائية المتبادلة وقد يأتي التكليف بتقصي الحقائق من مجلس الأمن
أو من الجمعية العامة وقد تختار أي من الهيأتين أن ترسل بعثة تحت سلطتهما المباشرة
كما قد يدعوا الأمين العام إلى اتخاذ الخطوات المطلوبة بما في ذلك تعيين مبعوث خاص
لجمع المعلومات، التي يمكن على أساسها اتخاذ القرار بمزيد من الإجراءات، كما أن وجوده
أو وجود البعثة في موقع النزاع كثيرا ما يساعد على تهدئة الأوضاع حيث يبين للأطراف
أن المنظمة تهتم بالمسألة باعتبارها خطرا قائما أو محتملا يهدد السلام الدولي في بعده
الأمني الصرف أو في بعده الإنساني.
3-الإنذار المبكر:
لقد استحدثت الأمم المتحدة شبكة قيمة من نظم الإنذار المبكر فيما يتعلق بالأخطار البيئية،
وخطر وقوع حوادث نووية وكوارث طبيعية وتحركات السكان وخطر حدوث المجاعات
وانتشار الأمراض،غير أن الحاجة إلى تعزيز الترتيبات بطريقة تجمع المعلومات الآتية من
تلك المصادر وبين المؤشرات السياسية تبقى ضرورية للوقوف على احتمال وجود خطر
يهدد السلم ،وتحليل ما يمكن لمنظمة الأمم المتحدة أن تتخذه من تدابير للتخفيف من هذا
الخطر.[33]
4-التدابير الوقائية والمناطق المنزوعة السلاح:
يعني التخطيط لمواجهة الظروف التي تستدعي انتشار هذه العمليات وقائيا وهو ما يمكن
أن يحدث بأشكال متنوعة،فيمكن اللجوء إلى الانتشار الوقائي في ظروف أزمة وطنية بناء
على طلب من الحكومة أو من جميع الأطراف المعنيين أو بموافقتهم، وفي منازعات بين
الدول يمكن أن يتم مثل هذا الانتشار عندما يشعر الطرفان أن وجود الأمم المتحدة على
جانب حدودهما يمكن أن يمنع الأعمال العدوانية.
كذلك يمكن أن يتم الانتشار الوقائي عندما يشعر بلد ما أنه مهدد فيطلب وجودا مناسبا
للأمم المتحدة على جانبه هو فقط من الحدود وفي كل حالة ينبغي تحديد ولاية وتكوين
عناصر وجود الأمم المتحدة بعناية وأنيكون كل ذلك واضحا للجميع
أما بالنسبة للمناطق المنزوعة السلاح فقد كان إنشاء هذه المناطق في الماضي يتم بموافقة
الأطراف عند انتهاء الصراع، بحيث انتشار قوات الأمم المتحدة في تلك المناطق كجزء
من عمليات حفظ السلام و ترمز مثل هذه المناطق إلى اهتمام المجتمع الدولي بالحيلولة
دون نشوب الصراع.[34]
الفقرة الثانية: النتائج العملية للدبلوماسية الوقائية:
تميزت عمليات السلام التي تقوم بها الأمم المتحدة بعد الحرب الباردة بالتنوع والتوسع،
وامتدت لتشمل عددا كبيرا من الدول الأفريقية ومناطق عديدة في آسيا وأمريكا اللاتينية،
بحيث أصبحت تقوم بمهام لم تكن معهودة من قبل،من قبيل الإشراف على الانتخابات
والتحقق من نزاهتها والقيام بإدارة البلاد مثل ما حدث في كمبوديا حيث أنشأت في 1991
السلطة الانتقالية التابعة للأمم المتحدة ومقرها بنومبتة حيث تكلفت بالإدارة المدنية
واتخاذ الترتيبات العسكرية وإعادة اللاجئين وإجراء الانتخابات، أو كما حدث في الموزمبيق
سنة 1992 حيث تكلفت الأمم المتحدة بمراقبة إطلاق النار وفصل القوات وجمع الأسلحة
وضمان انسحاب القوات الأجنبية ونزع سلاح الجماعات غير النظامية وتقديم المساعدات
الإنسانية والإشراف على الانتخابات وهو ما تم بالفعل في نهاية عام 1994. كما يدخل في
إطار هذه المهام الجديدة الأعمال التي تقوم بها قوات الحماية الدولية بالبوسنة.ومنها أيضا
الإشراف على إجراء الاستفتاء في الصحراء المغربية.[35]
ولعل من أهم الأمثلة الحديثة التي بينت نجاح الدبلوماسية الوقائية في حفظ السلم والأمن
الدوليين التجربة اليمينة.حيث اعتمد مجلس الأمن القرار 2014 المتعلق بإدانة العنف في
اليمن حيث حث فيها كل الأطراف للتعامل بطريقة بناءة للوصول إلى حل سلمي للأزمة
اليمنية والمطالبة بإزالة كافة الأسلحة من مناطق المظاهرات السلمية والتوقف عن استخدام
الأطفال في المشاركة في النزاع المسلح كما يحث جميع الأطرف على عدم استهداف البنية
التحتية الحيوية.[36]
وفي هذا الإطار قام المستشار الخاص للأمين العام باليمن جمال بن عمر مباشرة مشاوراته
مع جميع الأطراف والعمل عن كثب مع مجلس التعاون الخليجي ومجلس الأمن على حل
الأزمة اليمنية ،وهذا التعاون بين هذه الأطراف هو الذي ساهم في إيجاد حل سلمي للمشكلة
اليمينية والمتمثل في تنفيذ انتقال سلمي للسلطة بين الرئيس عبد الله صالح والمعارضة
اليمنية.[37]

المطلبالثاني:حدود المنظمات الدولية
بالرغم من المجهودات التي تقوم بها المنظمات الدولية في عملية حفظ السلم والأمن
الدوليين إلا أن هذه المجهودات تصطدم وفي العديد من المجالات بمجموعة من العوامل
التي تحد من عملها،الشيء الذي يجعلها محط انتقادات من مجموعة من الجهات.
الفقرةالأولى:تأثير العوامل المادية والسياسية على فعالية المنظمات الدولية:
إن سير عمل المنظمات الدولية يتطلب موارد متعددة مادية وعسكرية وبشرية، وأهمها
الموارد المالية والمتمثلة في مصادر مالية جد مهمة،وإذا كانت ميزانية المنظمة الدولية هي
التي تمكنها من القيام بمهامها، فإن المنظمة الدولية التي لا تتوفر على موارد خاصة تعرف
عادة أزمات مالية كبيرة وعجز في الميزانية يؤثر بشكل كبير في فعاليتها ولعل أسباب ذلك
تكمن في تملص الدول الأعضاء من أداء مستحقاتها أو ربط ذلك الأداء بالتحكم في عمل
المنظمة.[38]
وقد بلغت الأزمة المالية ذروتها في منتصف الثمانينات عندما تراكمت متأخرات الدول
بشكل أصبح يهدد استمرار السير الإداري للمنظمة وفي هذا الوقت بالذات تبنى الكونغرس
الأمريكي سنة 1985 ما سمي بتعديل "كاسبوم سولومون" الذي يشير أن السياسة المالية
للأمم المتحدة لا تأخذ بعين الاعتبار كما ينبغي وجهات نظر الدول ذات المساهمات
الأساسية ونتيجة لذلك فقد تزايدت تحذيرات ونداءات الأمين العام واتخذت تدابير تقشفية
صارمة في مجال التوظيف والأسفار والتجهيزات والمؤتمرات والمنشورات سنة 1986[39].
وفي سنة 1993 أعلن الأمين العام للهيأة أن هذه الأخيرة على وشك الاختناق المالي.
كما أن المنظمات الدولية تتأثر بالعوامل السياسية والمتمثلة في:
أ-غياب الإرادة السياسية المعبر عنها على مستوى الالتزامات سواء بالنسبة للدول المتقدمة
أو بالنسبة لتلك التي تعاني شعوبها من كل مظاهر البؤس والتزامات دول الشمال في إطار
هيأة الأمم المتحدة بالمساهمة والإشراف على حل مشاكل دول الجنوب، هذا بالإضافة إلى
عوائق نابعة من الدول المعنية نفسها،وقد عبر الأمين العام سنة 2001 إلى محدودية
فعالية الأمم المتحدة بما يلي:
"خلال العقود الأخيرة انخرطت هيأة الأمم المتحدة في عدد كبير من مبادرات التنمية في
إفريقيا إلا أنه وللأسف فأقل ما يمكن أن يقال عن فعاليات هذه المبادرات انه يثور حولها
الجدل"[40].
ب-اختلاف المصالح السياسية فالمنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة تعكس أكبر
تعارض بين مصالح الدول الشيء الذي يؤثر بشكل كبير على فعاليتها ويجعلها مسخرة
لخدمة مصالح القوى الكبرى.فالمصالح السياسية المتعارضة للقوى الكبرى تتحكم في عمل
الهيأة وتوجهها وهو ما يتضح جليا في الأزمة السورية الراهنة.
الفقرةالثانية:فشل الأمم المتحدة في احتواء الأزمة السورية:
إن أقل ما يمكن قوله عن الأزمة السورية هو انتكاسة المجتمع الدولي وتلكأ بعض الدول
في إبراز إرادة سياسية واضحة للخروج من الأزمة السورية التي تحصد مزيدا من المدنيين
و تمثل تعد سافر على حقوق الإنسان وضرب للمواثيق الدولية.
فمنذ انطلاقة الأزمة السورية عملت الأمم المتحدة والجامعة العربية على احتواء الأزمة،
بمبعوث مشترك "كوفي عنان"،حيث عرفت خطة كوفي عنان موافقة الحكومة السورية
في 2 أبريل 2012،بينما صادق عليها مجلس الأمن في 5 أبريل 2012.[41]
لكن القوات السورية استمرت في القصف،وهو ما أدانه مجلس الأمن باعتباره انتهاكا
لخطة عنان.
وفي هذا الإطار يزيد اختلاف الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن،حول اتخاذ قرار
لإدانة سياسة التقتيل التي ينهجها بشار الأسد نحو الشعب السوري،تساهم كثيرا في تفافم
المعاناة الإنسانية للمدنيين في هذا البلد فمعارضة روسيا والصين لاتخاذ أي قرار أممي
ضد النظام السوري والتهديد باستعمال حق الفيتو،شكل دعما لمواصلة سياسة التقتيل
دون الخوف من رد فعل مجلس الأمن.
وأمام هذا الانقسام بمجلس الأمن وقف المجتمع الدولي عاجزا عن اتخاذ أي قرار بشأن
الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها النظام السوري في حق المدنيين بسبب التحفظات
الصينية والروسية،وذلك رغم استنكار وإدانة المجتمع الدولي لجرائم بشار الأسد ضد أفراد
شعبه الذين يطالبونه بالتنحي والرحيل عن السلطة،ويعود تفسير سبب ممارسة هذا الفيتو
إلى ما تحظى به الصين وروسيا من امتيازات عقود التنقيب عن النفط بسوريا،كما تمتلك
روسيا قاعدة بحرية في هذا البلد ولها مستشارين عسكريين في الجيش السوري.[42]
وتفسر هذه الأسباب مجتمعة عودة نظام القوى داخل مجلس الأمن على حساب تدبير
دولي معقلن للأزمات الدولية،وتبقى مسألة تدبير الأزمة السورية مسألة تجاذب ليس إلا.
o  خاتمة
ان دبلوماسية المنظمات الدولية غالبا ما تمتاز بطابع الديمومة,عبر بعثات الدول الدائمة لدى المنظمة، واحيانا تكون مؤقتة  عبر دعوة احدى المنظمات لعقد مؤتمر من اجل بحث قضايا دولية محددة.
وتمتاز المنظمات الدولية بعلاقاتها الواسعة مع اشخاص دوليين اخرين مثل علاقاتها ببعضها البعض ،وكذلك مع حركات التحرير،ومنظمات دولية خاصة.
ومن الظواهر المعروفة في دبلوماسية المنظمات الدولية ،ظاهرة التصويت الكلي،فالجمعية العامة مثلا تنقسم الى كتل سياسية تقوم الدول الكبرى بدور بالغ الاهمية في قيادتها،وفي الواقع ان احد ادبيات المنظمات الدولية قائم على ان الدولة التي ليس لديها مصالح عالمية توكل  الدول الكبرى التي لها مصالح قوية،مقابل امتيازات تحصل عليها مما يجعلنا نتساءل هل نحن امام دبلوماسية لمنظمات دولية، ام نحن امام دبلوماسية لدول محددة داخل هذه المنظمات.




د.ثامر كامل محمد،الدبلوماسيةالمعااصرة واستراتيجية إدارة المفاوضات،دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة،2000،ص:66.[1]
 نادية الهواس،الوجيز في المنظمات الدولية،منشوراتمرايا،الرباط،الطبعة الأولى 2005،ص 20.[2]
أحمد أبو الوفا،قانون العلاقات الدبلوماسية والقنصلية،دار النهضة العربية القاهرة 1995/1996 ص:341.[3]
 نفس المرجع،ص:351[4]
 انظر الفقرة 3 المادة 2 من اتفاقية حصانات وامتيازات الأمم المتحدة لسنة 1946.[5]
د,عائشة راتب،المنظمات الدولية دراسة نظرية وتطبيقية دار النهاضةالعربية,ص :345[6]
نفس المرجع السابق،ص:346[7]
 المادة الثانية من اتفاقية المقر بين تونس والجامعة العربية سنة 1970.[8]
 أحمد أبو الوفا،مرجع سابق،ص:355-356-375[9]
د,عائشةراتب،مرجعسابق،ص 346-347.[10]
أحمد أبو الوفا،مرجع سابق،ص359-360[11]
انظر المادة 2 من اتفاقيىة الحصانات والامتيازات الدبلوماسية للأمم المتحدة 1946[12]
 بيار ماري دوبوي،القانون الدولي العام،ترجمةد,محمد عرب صاصيلاود،سليمحداد،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع 2008،ص:224[13]
غازي حسن صبارينيالدبلوماسية المعاصرة،،دار الثقافة للنشر والتوزيع 2009،ص:313[14]
 المادة 5 من اتفاقية الحصانات والامتيازات الدبلوماسية للأمم المتحدة لسنة 1946.[15]
غازي حسين صباريني،مرجع سابق،ص:34[16]
بيير ماري دوبوي،مرجع سابق،ص:228.[17]
المادة 5 الفقرة 18 من اتفاقية امتيازات وحصانات الامم المتحدة[18]
المادة 6 من اتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة لسنة 1946[19]
أحمد أو الوفا،مرجعسابق،ص 432-433[20]
 ناظم عبد الواحد الجاسور،أسس وقواعد العلاقات الدبلوماسية والقنصلية،دارمجدلاوي،عمان 2001،ص:461.[21]
 نفس المرجع ،ص 466[22]
 نفس المرجع ،ص:467[23]
 وهناك الكثير من الحوادث التي تعرض لها الممثلون الدبلوماسيون لدى المنظمات الدولية،سواء لأسباب عنصرية أو سياسية،الأمر الذي جعل الجمعية العامة مضطرة بتذكير الدول المضيفة بالتزاماتها في قرارات عدة،حتى تم إنشاء لجنة العلاقات مع الدولة المضيفة مكلفة بمتابعة هذه القضايا سنة 1971.[24]
ناضم عبد الواحد الجاسور،مرجع سابق،ص:468[25]
 غازي حسن صباريني،مرجعسابق،ص 312[26]
ناضم عبد الواحد الجاسور،مرجع سابق،ص:471[27]
د.عبد الواحد الناصر،المشكلات السياسية الدولية،مطبعة النجاح الجديدة الدارالبيضاء 2009،ص :38[28]
تجدر الإشارة إلى أن فكرة الدبلوماسية الوقائية تعود إلى الأمين العام "داج همرشولد" النمساوي سنة 1960[29]
شفيق المصطفاوي،الأمم المتحدة وإشكالية تدبير النزاعات الجديدة بعد نهاية الحرب الباردة،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في الحقوق سلا الجديدة 2006-2007،ص 165[30]
 نفس المرجع ،ص:169[31]
د,عبد الواحد الناصر،مرجع سابق،ص:38[32]
 شفيق المصطفاوي،مرجع سابق، ص:170-171[33]
د.عبد الواحد الناصر،مرجع سابق،ص:39[34]
 شفيق المصطفاوي،مرجع سابق ص:175[35]
البند السابع من القرار الأممي رقم 2014[36]
د,يوسف البحيري،نظام الأمم المتحدة في مواجهة تحولات الربيع العربي،مطبعةالدواديات مراكش 2012،ص:267[37]
 نادية الهواس،الوجيز في المنظمات الدولية،منشورات مرايا الرباط 2005،ص:66[38]
عبد العزيز النويضي،الأمم المتحدة التنمية وحقوق الإنسان،منشورات الكونفدرالية الديمقراطية للشغل 1995،ص 27-28[39]
 نادية الهواس،مرجعسابق،ص 68-69[40]
د,نورهانالشيخ،الخوف من التغيير،محددات سلوك القوى الداعمة للنظام السوري،مجلة السياسة الدولية،العدد 190 أكتوبر 2012،ص:81[41]
يوسف البحيري،مرجعسابق،ص 248-249.[42]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق