السبت، 25 يوليو 2015

نطاق تطبيق القانون الدولي الإنساني

المبحث الأول: المجال المادي للتطبيق
يقصد به الظروف التي يتدخل فيها القانون الدولي الانساني ، والحالات التي ينفد فيها هذا القانون يمكن أن نميز بين حالتين :
1 _ حالة النزاع المسلح ( مطلب أول)
2_حالة الاحتلال العسكري (مطلب ثاني)
بنص المادة الثانية من اتفاقية جنيف الأربع 1949، على أنه (تنطبق هذه الاتفاقيات في حالة الحرب المعلنة ، أو اشتباك مسلح بين أحد الأطراف السامية ، حتى ولم يعترف أحدهما بحالة الحرب ، بالإضافة الى حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة حتى ولو لم يواجه هذا الاحتلال أية مقاومة.
المطلب الأول: مفهوم النزاع المسلح
يطلق على تعبير النزاع المسلح لفظ الحروب ، والحرب هي علاقة عنف بين الدول والشعوب، ويرى بعض الفقه أن مصطلح الحرب غير ملائم للدلالة على العنف في القانون الدولي و العلاقات الدولية .
لأن تعبير الحرب يحمل مضامين متعددة مثل : _الحرب الدعائية _الحرب الباردة _الحرب النفسية والاقتصادية...ويفضل أغلب الباحثين في مجال القانون الدولي استعمال تعبير النزاع المسلح ، ويعنونون  كتبهم ب : قانون النزاعات المسلحة .
وهو نفس التعبير الدي تستعمله وثائق القانون الدولي الانساني المثال المذكور أعلاه _المادة الثانية المشتركة_ينطبق هذا القانونفي حالة النزاع المسلح ...
بالإضافة الى اتفاقية لاهاي لعام 1954 حول الممتلكات الثقافية ، قالت بأنها تطبق في حالة النزاع المسلح ، بالإضافة الى البروتوكولان الاضافيان 1977 ، وكدا عدد كبير من توصيات الجمعية العامة وقرارات مجلس الأمن  ، وكذلك المنضمات الدولية الانسانية مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر تستعمل تعبير النزاع المسلح عوض تعبير الحرب.
الفقرة الأولى : النزاع المسلح الدولي .
النزاع المسلح الدولي هو العمليات العدائية  أو العسكرية التي تدور بين دولتين أو أكثر من أشخاص العلاقات الدولية ، وهذا ما ورد في التوصية الأممية 3314سنة 1970 التي تعرف العدوان على أنه :
( استعمال القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الاقليمية أو استقلالها السياسي وما يتنافى ومقاصد الأمم المتحدة .)
ومن أهم المقاصد ، حفظ السلم والأمن الدوليين حسب ما جاء في الديباجة  و عنوان الفصل السابع من الميثاق .
لكن الملاحظ هنا :
هو صعوبة التمييز و التحديد  بين النزاع المسلح الدولي  و الحروب الأخرى مثل حرب التحرير الوطنية -الحرب الأهلية-حروب الانفصال ... التي تتدخل فيها قوى أجنبية ، مثال : الحملة التي شنها الحلف الأطلسي  على صربيا ، والتدخل الأمريكي في  الصومال تحت مضلة قرار أممي 794 سنة 1992، لحماية الامدادات و المساعدات الانسانية.
المادة الثانية المشتركة  من  ت ج 1947 عرفت النزاع المسلح الدولي : كل خلاف بين دولتين أو أكثر يؤدي الى تدخل القوات المسلحة ، لا تهم الفترة التي استمر خلالها النزاع أو الاشتباك ، كما لا تهم حدة و درجة القتال و لا تهم آثاره و نتائجه...
مثال ذلك المناوشات العسكرية بين الكوريتين صيف2011،
وهذا النزاع المسلح يشترط فيه وقوع ضحايا وأسرى أو معتقلين مدنيين ، وما يهم القانون الدولي الانساني هو وجود ضحايا لابد من حمايتهم ، مثال ذلك تدخل القوات العراقية في الكوت 1990 ، حيث لم يكن هناك قتال بين الجنود العراقيين و الكويتيين ،  لكن كان هناك عدد مهم من الضحايا الدين وقعوا في الأسر على يد الوات العراقية .
وتدخل في طائلة النزاع المسلح الدولي ، حروب  التحرير الوطنية التي تخوضها الشعوب من أجل التحرر من الاستعمار الأجنبي أو من سيطرة أقلية عنصرية مثال نظام الأبارطايد في جنوب افريقيا – أقلية من البيض يحكمون الأكثرية من السود ، حيث كان هذا النوع من النزاعات الى حد قريب يصنف ضمن طائلة النزاعات الداخلية حيت كانت تعتبر المستعمرات أراض تابعة  مثال الجزائر  الوطني،  التي كان يعتبرها المستعمر الفرنسي مقاطعة تابعة لفرنسا .
وهذا النوع من النزاعات نصت عليه كل من التوصية الأممية لسنة 1960-(1514) المفضية الى انهاء العهد الاستعماري ، و التوصية الاممية 2625 التي تنص على لأحقية الشعوب في تقرير المصير و حقها في الكفاح المسلح المشروع ، وهذا بالطبع من الاستثناءات  المشروعة لاستعمال القوة في العلاقات الدولية.
وتجدر الاشارة الى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة طالبت الدول الاستعمارية في تطبيق قواعد القانون الدولي الانساني على حروب التحرير الوطنية التي تكون طرفا فيها .
باعتبار أفراد قوات التحرير الوطنية أسرى حرب يتمتعون بحماية القانون الدولي الانساني ، ان سقطوا في الأسر ولا يعتبرون مجرمين أو خونة أو مناوئين يستحقون العقاب.
بل يجب توفير كل الضمانات القانونية و المادية التي يخولها القانون الدولي الانساني خاصة في اتفاقية جنيف الثالثة المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب.
وذلك بنص التوصية الأممية 3103 سنة 1970، تحت عنوان (المبادئ الأساسية المتعلقة بالمركز القانوني للمقاتلين الدين يكافحون ضد الهيمنة الاستعمارية و الأنظمة العنصرية).
-ان الكفاح المسلح الدي تباشره الشعوب الخاضعة للاستعمار و الهيمنة الأجنبية و العنصرية ، يعتبر كفاحا مشروعا و مطابقا لمبادئ القانون الدولي ... مع تمتع الأسرى في هذه الحروب بما جاء في الاتفاقية الثالثة لمعاملة أسرى الحرب لعام 1949.
الا أن هذا الجدل واللبس تم استدراكه من خلال البرتوكول الاضافي الأول 1977 الملحق لاتفاقيات جنيف الأربع ، حسب المادة الأولى الفقرة الرابعة .
(يطبق هدا البروتوكول  على الأوضاع التي تناضل فيها الشعوب ضد التسلط الاستعماري و الاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية ، وذلك لممارسة حق الشعوب في تقرير مصيرها كما كرسه ميثاق الأمم المتحدة ...)
رأينا النزاع المسلح الدولي بين دولة ودولة أخرى ، و أيضا بين دولة و حركات التحرر الوطنية ، بقي لدينا نوع آخر من النزاع المسلح الدولي تكون فيه الأمم المتحدة طرفا أو احدى المنظمات الدولية مثل حلف الأطلسي ، مثال الحرب على أفغانستان 2001،ومثال صربيا ودخل الحلف الأطلسي لحماية المدنيين و الأقلية المسلمة في البوسنة والهرسك  بكوسوفو.
الفقرة الثانية : النزاع المسلح الداخلي.
النزاعات الداخلية المسلحة هي أشد ضراوة ومأساوية عن الحروب الدولية ، تتسم بالوحشية و همجية على درجة كبيرة بسبب سيادة الحقد و الكراهية الشديدين على الأعمال العدائية .
كان يطلق القانون الدولي التقليدي على هذا النوع من النزاعات اسم ( الحرب الأهلية )
-الحرب الأهلية الأمريكية 1861
-الحرب الأهلية الرواندية
وقد عرف الفقيه شارل زورغبيب الحرب الأهلية :(نزاع داخلي حقيقي لا تنطبق عليه حكما  قواعد قانون الحرب التقليدية، ولا تنطبق على المتمردين صفة المجرمين السياسيين ، ويعود للحكومة الشرعية التي أصبحت فريسة للحرب الأهلية ، الحق في استعمال الوسائل القمعية تراها مناسبة ).
وهذا ما تضرع به العقيد معمر القدافي وقت قيام الثورة في ليبيا ، بأن هذه حرب أهلية و تخضع لسلطان الدولة وفق ما جاء في الميثاق  الأممي حسب المادة الثانية الفقرة السابعة  ، بعدم التدخل في الشؤون الداخلية ،  ولا يحق لأي دولة التدخل في الشؤون الداخلية ، وأن النزاعات الداخلية من اختصاص القانون الداخلي أو الوطني ، وليست من اختصاص القانون الدولي.
ويقول الأستاذ سعد الركراكي  أن الحرب الأهلية أصبحت في سلة مهملات القانون الدولي .
ومن أمثلة النزاعات الداخلية :
-الحرب الأهلية في سيراليون – روندا – السودان وقضية دارفور – ليبيريا –المزنبيق ...( افريقيا )
-لبنان- كمبوديا – سريلانكا - فيتنام  ...في القارة الآسيوية .
-نيكاراغوا– هندوراس – شيلي – بيرو ...في القارة الأمريكية .
-وفي القارة الأوربية كل من قبرص -  ويوغسلافيا السابقة ...
ولم تعرف اتفاقية جنيف لعام 1949 النزاع المسلح الداخلي من خلال المادة الثالثة المشتركة بل تم تدارك ذلك من خلال البرتوكول الملحق الثاني لاتفاقية جنيف 1977 في مادته الأولى .
المطلب الثاني : الاحتلال العسكري .
ورد النظام القانوني للاحتلال العسكري في القسم الثالث من لائحة لاهاي لعم 1907 تحت عنوان ( السلطة العسكرية في أراضي الدولة العدوة) ثم جاءت اتفاقية جنيف الرابعة 1949 ، لتخصص لهذا الموضوع قسما خاصا تحت عنوان _ السكان المدنيون في الأراضي المحتلة _من المواد 47الى 78.
والاحتلال العسكري حالة واقعية مؤقتة لا تحرم الدولة المحتلة من صفتها كدولة ولا من سيادتها ، وانما من ممارسة حقوقها ، ويتعين لقيام الاحتلال توافر شرطين هما :
1_ عجز الحكومة الشرعية عن ممارسة سلطاتها داخل الاقليم المحتل .
2_قيام دولة الاحتلال فعلا بممارسة السلطة بدلا من الحكومة الشرعية ، ويمكن أن نميز هنا بين الاحتلال و الاخضاع ...
ويمكن أيضا أن نميز بين الاحتلال والضم ...مثال ضم الأراضي الفلسطينية من طرف الاحتلال الاسرائيلي وهذا الضم لا تقع عليه قاعدة التقادم المكسب أو التقادم المسقط ...أي مند عام 1967.
الفقرة الأولى : النظام القانوني للاحتلال العسكري.
الصورة الحقيقية للاحتلال تتمثل في اخضاع اقليم الدولة وضمه بصفة نهائية أو مؤقتة الى الدولة المنتصرة ، لتحقيق  التوسع الجغرافي و الامتداد الترابي للدول ، للسيطرة على المناطق الزراعية أو أراض خصبة أو السيطرة على مناطق استراتيجية لممارسة التجارة الدولية و التحكم في الطرق و الممرات الحيوية و السيطرة على مناطق غنية بموادها الطبيعية قصد استغلالها و الانتفاع بها .
بعد صدور لائحة لاهاي لعام 1907 كرست ممارسة جديدة نصت عليها المادة 43 : اذا انتقلت سلطة القوة الشرعية بصورة فعلية الى يد قوة الاحتلال يتعين على هذه الأخيرة قدر الامكان ، تحقيق الأمن و النظام العام و ضمانه مع احترام القوانين السارية في البلاد ، الا في الحالات القصوى التي تحول دون ذلك...
وهذا مالم  تراعيه الولايات المتحدة الأمريكية في احتلالها لأفغانستان و معاقبة كل من قبض عليه من حركة طالبان في المعتقلات الأمريكية الخاصة مثال معتقل غوان طانامو ...
وهكذا فان دولة الاحتلال طبقا لاتفاقية جنيف الرابعة لا تستطيع تعديل نظام الاقليم المحتل ، فهي تعتبر مجرد مدير فعلي يجب الحافظ عليه وعلى البنيات الاقتصادية و الاجتماعية و العادات في الاقليم المحتل .
وهذا ما تخالفه اسرائيل عن طريق ما تقترفه من وسائل مثل تهويد القدس وطمي الهوية العربية للأراضي المحتلة وبناء المستوطنات وتهجير السكان من منازلهم ...
ولا يمكن لقوات الاحتلال تعديل قوانين الاقليم المحتل الا ادا فرضته الضرورات العسكرية أو ضرورات حماية الأمن العام ...
الفقرة الثانية : التزامات دولة الاحتلال .
تقع على دولة الاحتلال عدة التزامات وواجبات ليس فقط تجانه السكان المدنيين في الاقليم المحتل وانما أيضا تجاه الممتلكات وتجاه القوانين و التشريعات الوطنية في الاقليم المحتل .
أ_ التزامات تجاه سكان الاقليم المحتل .
للاحتلال آثار وخيمة على السكان المدنيين ، اثر المعاملات اللاإنسانية و أشكال متنوعة من الاضطهاد و القهر :
-الاعتقال
-التعذيب
-التهجير
- بيع الأعضاء
-الاجبار على الدعارة ...
وهذا ما قننته لائحة لاهاي   1907 ، على أنه ينبغي احترام الأسرة وحقوقها ، وحياة الأشخاص و الملكية الخاصة ..نأأأ

هناك تعليق واحد: