الخميس، 30 أبريل 2015

السياسة الخارجية للمغرب في عهد الملك محمد السادس تجاه تجمع دول الساحل و الصحراء

تحظى العلاقات المغربية الإفريقية باهتمام مغربي خاص وذلك نظرا للمكانة التي تحتلها القضايا الإفريقية على مستوى اهتمام صانع القرار الخارجي المغربي؛ باعتبارها إحدى الدوائر الأساسية المكونة لمجال السياسة الخارجية المغربية (بالإضافة إلى الأوروبية والعربية الإسلامية و المغاربية ...). وهو اهتمام نابع من التزام صانع السياسية الخارجية المغربية تجاه القضايا الإفريقية، كما أن الأمر يعود إلى التصور الجديد للدبلوماسية المغربية المرتكز على تعميق علاقاته الدبلوماسية مع إفريقيا جنوب الصحراء ودول الساحل، حضور الشأن الإفريقي في القرار الخارجي المغربي يعود إلى الروابط التاريخية والثقافية التي تربط بينهما، بالإضافة إلى الهوية والانتماء الجغرافي والمصالح المشتركة، كما أنه يتأسس على قاعدة صلبة أساسها توطيد تعاون جنوب - جنوب في الإستراتيجية العامة للمملكة تجاه عمقها الاستراتيجي؛ وقد تعزز هذا التوجه العام في عهد الملك محمد السادس.
وفي هذا السياق يندرج تجمع الساحل و الصحراء، الذي جاء تأسيسه  كتفعيل للمادة 3 من ميثاق الإتحاد الإفريقي،  و كرد فعل في ظل المتغيرات الدولية المتسقة بتسارع مسلسل التكتلات الجهوية، و إحتدام التنافس بين القوى الكبرى، ثم صعود قوى مؤثر في الساحة الدولية، كما يندرج هذا التجمع في إطار التصدي للمعطيات السلبية التي تعيق المسار التنموي السلمي للقارة عن طريق الإستفحال المهول للمشاكل الأمنية.
وتبعا لذلك؛ فإن طبيعة تجمع الساحل و الصحراء تتجاوز ما هو إقتصادي، إلى ما هو سياسي، فبالرغم من إعلان الدول الأعضاء على أن نيتهم تتجه نحو تأسيس تجمع اقتصادي محض، يستهدف تطوير العلاقات الإقتصادية و التجارية بين أعضائه، ولذلك ما يظهر من خلال ميثاق التجمع، فإن النص على ضرورة إزالة جميع العوائق التي تحول  دون تطوير العلاقات الإقتصادية و التجارية بين الدول الأعضاء، يستهدف في العمق التوترات المحلية و البين دولية ذات الطابع الإثني و السياسي، ومن ثم جاز القول على أن تجمع الساحل و الصحراء ليس له طبيعة إقتصادية فحسب، بل كذلك طبيعة سياسية.
ولقد استفاد تجمع دول الساحل و الصحراء في تأسيسه من جملة العوامل المساعدة المحلية، منها؛ امتلاك دول التجمع لمقومات اقتصادية، سياسية و ثقافية مشتركة، حيث أن معظمها خضع للإستثمار، كذلك تشابه المشكلات و التحديات التي تواجهها تلك الدول، خاصة الفقر و الديون و الأمراض الفتاكة ثم تفشي مظاهر الفساد بكل أشكاله، و كذا التداعيات السلبية للعولمة، التي أصبحت تلزم الكيانات الصغيرة في عالم على الإتحاد في شكل جماعي و تضامني.
لقد كانت للمغرب منذ القديم روابط قوية مع جيرانه الأقربين. كما أنها امتدت عبر البحار إلى أوروبا و أمريكا و آسيا، وإذا كانت علاقات المغرب الدبلوماسية مع المجموعة الدولية قد عرفت مرحلة من التجميد إثر هيمنة السلطات الإستعمارية على السياسة الخارجية المغربية نتيجة توقيع عقد الحماية سنة 1912، وإلا أن تحقيق الإستقلال مكن المغرب من العودة إلى الواجهة بدبلوماسية أصيلة و حداثية تجد جدورها في تاريخ زاخر بالمنجزات و تستمد حداثتها من الإندماج في محيطها الإقليمي و من نسج أواصر التعاون مع كل أعضاء المجتمع الدولـــــــــــــــي.
وإنطلاقا من هذه المعطيات، يظهر أن الخلفيات التي دفعت المغرب للإنضمام إلى Cen-Sad ترتبط بشكل أساسي بالبعدين الإقتصادي، و الإستراتيجي/ السياسي. فعلى المستوى الإقتصادي تلوح في الأفق إرهاصات تطور الإهتمام المغربي بإفريقيا، على اعتبار أنها أضحت تشكل سوقا واعدة، بإمكانها أن تساهم في تقليل  ارتباط الإقتصاد المغربي بالأسواق الغربية بما لذلك من إيجابيات على تحول المغرب للعب دور الفعل في زمن العولمة الإقتصادية على الأقل داخل الأقطار الإفريقية. أما على المستوى الإستراتيجي/ السياسي، فإن الملف الأول الذي يشغل الدبلوماسية المغربية ( ملف الصحراء ) كان دافعا حاسما لإعادة الإنتشار الدبلوماسي  المعاصر، داخل القارة السمراء، و ذلك عبر الإندمجات الإقليمية ذات التوجهات الإقتصادية، التي تؤدي إلى تطور المصالح الإقتصادية، و التجارية المتبادلة فيما بين الدول المندمجة. وهو ما يساعد على تعمق التوافقات السياسية و الإستراتيجية، ومن ثم يحصل دعم متواصل لقضايا الدول المندمجة فيما بينها و الإقتصادية، ولعل هذا ما يحرك الدبلوماسية المغربية لربح رهان صحراءها.
لكن الإشكال الأساسي في علاقة المغرب بـــ Sen-Sad لعدد من الدول المناصرة للقضايا السياسية المغربية و خاصة ملف الصحراء، ومنها على سبيل المثال السنغال، و بوركينافاسو، إن مجمل هذه العوامل هي التي جعلت المغرب يعيد رسم و تحديد أهداف سياسته الخارجية داخل القارة الإفريقية لتأخذ طابعا شموليا و مركبا، يعتمد تطوير العلاقات الاقتصادية و الودية و التضامنية مع دول التجمع، لبلوغ مطامح تطوير العلاقات في كسب دعم الأفارقة لملف الصحراء المغربية، و تعويض الغياب عن ساحة الدبلوماسية الجماعية في إطار الإتحاد الإفريقي.
بيد أن الفوائد التي يمكن للمغرب أن يحققها من عضويته في تجمع دول الساحل و الصحراء، تصطدم بحجم العراقيل التي يواجهها في ذاته. حيث تعيش أغلب دول التجمع على وقع توترات سياسية، و نزاعات إثنية، داخلية و عبر الحدود، بالإضافة إلى التخلف الإقتصادي و الإجتماعي، و ضعف البنيات التحتية الأساسية لتطوير العلاقات الاقتصادية و التجارية، وما يزيد الطين بلة، هو غياب الإرادة السياسية، وعدم الاهتمام بلقاءات القمة التي يعقدها التجمع وخاصة اللقاء الأخير الذي انعقد بمدينة سرت الليبية سنة 2007، الذي لم يحضره أغلب زعماء دول التجمع، ومنهم ملك المغرب، بالإضافة إلى  حجم المشاكل التي يعيشها Sen – Sad  ، و قد يحمل على  الاعتقاد بأن هذه المنظمة الجهوية، لا تشكل أهمية ما بالنسبة للمغرب، على الأقل في ذاتها. إن هذه النتيجة المحتملة و التي تستخلص من قيمة التجمع و أهميته في ذاته قد تكون ضعيفة و تعبر عن مستوى الاحباط الذي ينتاب كل دارس للقضايا الإفريقية بصفة عامة، لذلك التفاؤل لمستقبل تجمع دول الساحل و الصحراء خاصة و أن أغلبية أعضائه مندمجين في إطار تجمعات و اتحادات إقتصادية أخرى وهو ما يؤدي إلى تشتت الأنظار مع ضعف الإمكانيات و البنيات الأساسية حتى و إن وجدت الإرادة السياسية.
إن هذا الفعل الغائي نفسه يرمي إلى كسب مزيد من العلاقات مع القوى الكبرى في إطار ترابط  للمصالح، ومن ثم يسهل الحصول على تأييدها للقضايا المغربية، و على إعتبار أن المصالح هي المحدد الثابت في صناعة القرار على المستوى الخارجي.
إن هذا المسار الاستراتيجي الذي يسلكه المغرب في علاقته بتجمع دول الساحل و الصحراء، إذا كان يرنو لحقيق مطامح ما بطرق ملتوية، فإن ذلك لا يؤشر إلا على الإرتباط الكبير للمغرب بالدول الكبرى، و هذا في الوقت الذي يعبر فيه عن تطلع المغرب لكسب تأييد و دعم القوى الكبرى، فقد يكون أيضا من بين العوائق التي يواجهها التجمع للاستقلال بذاته وإثبات حضوره على المستوى الدولي، ومن ثم يصير مجرد محطة ثانوية غير قابلة للتطور رغم اتساع رقعته الجغرافية.
 مهما يكن الأمر، فإن موضوع علاقة المغرب بتجمع الساحل و الصحراء يشكل أهمية قصوى في الوقت الراهن. وذلك لفهم الخلفيات التي تتحكم في السياسة الجهوية للمغرب في محيطه الصحراوي، في الوقت الذي تزايدت فيه موجة العولمة بمظاهرها المتعددة، و تسارعت فيه الخطوات نحو الاندماج و التكتل، وفي ظل ارتباط الاقتصادي بالسياسي، مع تطور إختراق الدول الكبرى للتجمعات الجهوية غبر نوافذ مختارة بإمعان.
وقد ملنا في هذا البحث المتواضع إلى الإعتماد لمجموعة من المناهج:
-        المنهج التحليلي لتحليل ورصد جميع مكونات عناصر الدراسة والإحاطة بمختلف جوانبها.
-        المنهج التاريخي لإبراز بعض المميزات والتفاصيل التاريخية في العلاقات المغربية بدول سين-صاد.
-        المنهج الإستقرائي من منطلق أن الموضوع يدرس العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف ضمن إطار زمني محدد.
-        المنهج النسقي بحكم أن الموضوع ييدرس التكامل والتساند بين عناصر النسق الدولي والنسق الإقليمي وتأثير ذلك على تفاعل المغرب ضمن علاقاته بالسين-صاد.
-        المنهج المقارن لإبراز مواطن الإختلاف والتشابه بين السياسة المغربية الإفريقية والسياسات الخارجية لبعض القوى الإقليمية التي هي محط تنافس الدبلوماسية المغربية في منطقة سين- صاد.
و تتمحور الإشكالية المركزية لهذا الموضوع حول:
رهانات و تحديات الدبلوماسية المغربية بمنطقة الساحل و الصحراء، في ظل مناخ جيوسياسي يعرف مسلسل من الإندماجات الإقليمية في إفريقيا.
وتتفرع عنها مجموعة من الأسئلة :
§    إلى أي مدى تؤثر التهديدات الموجودة في منطقة الساحل و الصحراء على الأمن القومي المغربي؟
§       ما هي المواقف المغربية تجاه مجريات الأمور في منطقة الساحل و الصحراء؟
§    لما نفسر فشل بعض الدول في المنطقة الساحلية الصحراوية في فرض النظام والقانون و الحد من مظاهر الإنفلات الأمني؟
§    هل يمكن الإعتماد على التدخل الخارجي للتصدي  لمثل هذه التهديدات العابرة للحدود أم أن التنسيق الإقليمي يبدو المقاربة الملائمة لمعالجة هذا الإنكشاف؟
§       مــــــــــا هي دوافع إنضمام المغرب لتجمع دول الساحل و الصحراء؟
§       مــــــــــا هي العراقيل و الصعوبات التي يواجهها المغرب داخل تجمع س ـ ص ؟
§       مـــــــــاذا حقق المغرب من خلال إنضمامه لهذا التجمع ؟
وتتمحور فرضيات البحث حول:
-        المغرب لا يمتلك منظورا واضحا لمصالحه الحيوية في منطقة الساحل والصحراء.
-    التهديدات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء وإمكانية توسعها إقليميا وحتى دوليا صعدت من اهتمام المغرب بالمنطقة.

كل هذه الأسئلة و الفرضيات سوف يتم الجواب عنها من خلال قسمين كبيرين؛ نتناول في الفصل الأول: مكانة منطقة الساحل و الصحراء في أولويات السياسة الخارجية المغربية، في حين نناقش في الفصل الثاني: البعد الأمني المغربي في منطقة الساحل و الصحراء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق