الاثنين، 6 أبريل 2015

الدبلوماسية المغربية تجاه التحالفات العربية

مقدمة:
إن التوجه العربي والقومي في السياسات الخارجية لبلدان المغرب قد تبدى ضعيفا وأحيانا غير موجود وهذا هو عكس الواقع تماما فإن حركات التحرر الوطني لحل منطقة المغرب العربي طالما نجحت بتحقيق الاستقلال والوصول بحكومات وطنية إلى السلطة من سنوات الخمسينيات في كل من المغرب. فإن الاهتمام بالقضايا العربية السياسية لهذه البلدان قد أخذ مكانه بشكل مبكر ولا سيما فيما يتعلق بقضية الصراع العربي الإسرائيلي التي تتمحور حول أية سياسة خارجية عربية في أي دولة في العالم العربي إذا أرادت هذه الدولة أن تمنح بعدا *** سياسيا****، وكانت المملكة المغربية في مقدمة بلدان المغرب العربي التي توجهت للاهتمام بالعلاقات السياسية بينها وبين الدول العربية والاهتمام بالقضايا العربية الساخنة وفي مقدمتها قضية فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي هذا إضافة إلى اهتمامها بالقضايا الخاصة بالبلدان العربية الأخرى وإن مثل هذا الاتجاه العربي في السياسة المغربية قد ظل غير واضح تحت وطأة السياسات القومية للبلدان العربية المشرقية، وأول القضايا التي اهتمت بها المملكة المغربية في السياسة العربية هي القضية الفلسطينية وذلك منذ عهد الملك محمد الخامس حيث كان العاهل المغربي 
الحسن II وليا لعهده وقد قام بتوجيه اهتماماته السياسية الأولى في السياسة الخارجية المغربية نحو القضايا العربية الساخنة أنذاك وتواصل هذا الاهتمام بشكل بارز وكبير وقد بدأت السياسة المغربية تتجه بشكل جدي وواضح **** تأثيرا منذ بداية الثمانينيات وبالذات منذ انعقاد قمة فاس العربية، بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت ومنذ ذلك الوقت قامت المملكة المغربية دون غيرها من بلدان المغرب العربي برسم وتخطيط اتجاه عربي في سياستها الخارجية كان حاضرا ومشاركا بكل الأحداث الحاسمة والساخنة ، تعايشها منطقة المشرق العربي بكل ملابساتها وتغير الحد السياسي والعسكري فيها سواء وفق صراع دبلوماسي حاد بين دولتين أوفق صراع ملح يغشي منطقة الشرق الأوسط بين آونة وأخرى. وعلى الرغم من أن موضوع السياسة العربية الخارجية للمملكة المغربية يعني بالدرجة الأولى الاهتمام بقضايا وشؤون الدولة المشرقية في حالة عدم الاستقرار التي سادته فيها وكذا **** التطورات والبصمات التي طبعت خصوصية السياسة المغربية بالنسبة  للجزء الغربي من العالم العربي على الدول المغاربية وما ساد داخل منطقة المغرب العربي من صراعات وقضايا سياسية كانت في مقدمتها حرب الصحراء المغربية وما أنتجته هذه الحرب من علاقات بين الدول العربية في منطقة المغرب العربي ويجسد حكمة وتباث واستقرار المنظور السياسي الخارجي للسياسة المغرب العربي ويجسد حكمة وثباث واستقرار المنظور السياسي الخارجي للسياسة التي تتبعها السياسة المغربية دون غيرها لأنها قائمة على أسس متجانسة في إدراك موقع المغرب وضرورة دوره داخل العالم العربي ومن هنا نتساءل عن أهمية الدور السياسي المغربي داخل السياسة العربية الراهنة؟
-   صعوبة البحث: إن المتأمل لسياسة الخارجية يصطدم بضالة الخطاب المعرفي حول هذا المجال حيث أن عدد المؤلفات **** هذا الحقل تبدو معدودة على رؤوس الأصابع وهي ظاهرة لا تبدو خاصة بالمغرب فقد توصل أحد الباحثين في دراسة له حول العالم العربي بنفس الاستنتاج بقحط يماثل جذب الصحراء.
ونستنتج من خلال هذا البحث على أن المملكة المغربية لا تتوفر على سياسة خارجية منسجمة **** على ممارسات براغماتية تتلاءم وطبيعة القضايا التي تتعامل معها. وإذا كان من الممكن مع هذا الرأي لتوصيف الممارسة الخارجية خلال الفترة التي تمثلت استقلال البلاد فإن تراكمات التي حدثت طيلة فترة تمتد قرابة 40 سنة وخاصة بعد ارتقاء الملك
 الحسن II **** البلاد، يمكن أن تسمح لنا بالمجازفة بالحديث عن سياسة خارجية متميزة لها تواثبها التي **** عبر الممارسة ويبقى المطلوب بالنسبة لنا ليس فقط رصد هذه السياسة في عموم تجلياتها وممارساتها وإنما الاقتصار على استجلاء ما يتعلق منها بالمحيط العربي وفي نفس الوقت إن الغاية من هذا العمل ليست إعداد إطار متكامل لتحليل ولكن بالأساس التركيز على مختلف السلوكات المغربية الخاصة بالمجال العربي. بصيغة أخرى الاهتمام بمحتوى هذه السياسة في اتجاه عزل الخطوط الواصلة لها اعتبار إلى أن السياسة الخارجية تظل بمثابة العملية الواعية في محاولة التأثير على المحيط التي تتفاعل معه والتأقلم معه من خلال تحقيق مجموعة من الأهداف وبدءا يمكن أن تطرح تساؤلا أوليا يتمثل في معرفة ما إذا كان من الممكن الحديث عن سياسة عربية للمغرب.
د.صالح بكر الطيار: رئيس مركز الدراسات العربي الأوروبي مستشار قانوني - د. الحسان بو قنطار- السياسة الخارجية


مقدمة :

آثار الحكم الجديد للملك السادس التساؤل حول التابث والمتغير في السياسة الخارجية للمغرب، خاصة حول علاقته وسياسته الخارجية تجاه المحيط العربي. فالباحث غالبا ما يرتسم أمامه وسؤال بتعلق بمدى وجود خط ثابت موجه لسياسة المغرب العربية؟
فهل صحيح أن هناك تراجع وتخلي عن التفاعل مع المحيط العربي كثابت في السياسة الخارجية كما كان عليه الحال في عهد الملك الراحل؟ أم أن الإشكال في المتغيرات الدولية. وبالتالي فالتغير في السياسة الخارجية المغربية ليس تغيرا في الثوابت والمحيط بقدر ما هو تغير على مستوى القدرة على تفعيل هذه المحددات وتوظيفها بشكل يحقق مصالح المغرب.
وإذا كانت الظروف الدولية لعقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي قد سمحت للمغرب بأن يوفق في غلاياته الغربية بين ضرورات الالتزام القومي العربي ومتطلبات النظام الدولي ومصالحه في المنطقة، ومن ثم تحقيق فضاء عربي تعويضي مساند فإن الظروف الدولية الجديدة منذ التسعينيات وخاصة بعد أحداث 11 شتنبر 2001، لم تعد تسمح له بذلك، فشروع الولايات المتحدة يشكل مباشر في إعادة صياغة المنطقة وفق مصالحها قد أثرت كثيرا على علاقات المغرب مع الدول العربية، ولم تعد تمتلكه من ذلك التقليدي الذي ميز علاقاته بها في العقود الماضية. فالواضح في العراق والضغوط التي تمارس على سوريا ولبنان واستمرار التعنت الإسرائيلي بدعم من الولايات المتحدة، كلها أمور فرضت على المغرب واعمة علاقاته بها بما تقتضيه السياسة الأمريكية في المنطقة فالمطالب الأمريكية بمحاربة الإرهاب وإدخال إصلاحات ديمقراطية على أنظمة الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا ، واستجابة المغرب لهذه المطالب وسعيه لأن يقدم كنموذج للإصلاح قد أثر بشكل أو بآخر على العلاقات المغربية مع بعض الدول العربية الصديقة للمغرب مثل السعودية ومصر خاصة مع استضافة المغرب لمنتدى المستقبل في دجنبر 2004.
لكن هذا لا يعني أن المغرب تراجع عن التفاعل مع الدول مع الدول العربية بل لازال سائرا في إطار الإستراتيجية الكبرى للمغرب الذي يسعى إلى إقامة توازن جيوسياسي في منطقة المغرب العربي، وفي نفس الوقت تعويض اللاتوازن بالاتجاه نحو دول المشرق العربي، من خلال سعي الملك محمد السادس إلى اللجوء والدفع بقوة في اتجاه تحالف يعتمد على الذات والأطراف الأخرى في مجموعة العالم الثالث وخاصة العالم العربي الذي تجمعه معه العديد من الروابط وهو ما يظهر من خلال التأكيد على التضامن التنموي في خطبه. فالمنظور الملكي مناقض تماما لتلك الأطروحات الداعية للعودة إلى عهد أنظمة العزلة الاقتصادية وفلسفة الاكتفاء الذاتي الذي يعتبره قد ولى لتحل محله طموحات التكتل المبني على المصلحة أولا من خلال بلورة فكرة الدبلوماسة العربية المشتركة ذات المصالح المختلفة والتي تنتمي إلى الأسرة المتعددة بدلا من الدبلوماسة التي تعيب الاختلافات الوطنية ، فأحسن طريق للوحدة والتكتل هو بداية الانطلاق من الواقع ووضع الاختلافات الوطنية في الحسبان من أجل الوصول إلى وحدة حقيقية على غرار ما يعيشه الاتحاد الأوروبي.
فماهي جهود الدبلوماسية المغربية الحالية من أجل تفعيل التعاون العربي؟ وماهي المتغيرات التي عرفتها؟ وما السبب الذي يفسر التكيف السريع للمغرب في أدائه مع أطروحات النظام الدولي لما يعد 11 شتنبر2001، وخاصة أطروحة محاربة الإرهاب والإصلاحات  السياسية في العالم العربي؟ وهو ما يقودنا إلى التساؤل حول الدور الذي لعبته هذه المتغيرات في التأثير سلبا أم إيجابيا على هذا التفاعل المغربي العربي؟ وأمام التراجع النسبي للتهديد والتنافس العسكري لصالح التنافس الاقتصادي، حيث أصبحت أولوية السياسي والعسكري ثانوية بالمقارنة مع أولوية الاقتصادي، حيث أصبحت أولوية السياسي والعسكري ثانوية بالمقارنة مع أولوية الاقتصادي، وصارت الشؤون الاقتصادية والتجارية تحتل مكانة الصدارة في سياسة الدول الخارجية، وأصبحت المواجهات اليوم اقتصادية أكثر مماهي عسكرية وأصبحت الدبلوماسية الثنائية والمتعددة الأطراف أداة ردع وتدخل في سياسات الدول، ولذلك نلاحظ اليوم لمعان مصطلح الجيو اقتصادي مقابل ======= مصطلح الجيوسياسي، وهو ما يطرح التساؤل حول العوائق التي تقف أمام تعاون عربي فاعل على المستوى الاقتصادي؟
إن أهم ما يثير انتباه الباحث في مجال السياسة الخارجية للمغرب عموما والعربية خصوصا. أنه يتفاجئ بمجموعة من الكتابات التي تتهم الدبلوماسية المغربية الحالية بالفتور اتجاه المحيط العربي وتراجع دورها بعد أن استطاعت خلال العقود الماضية نهج توجه براغماتي متوازن يقوم على الجمع بين تحقيق مطالب التضامن العربي واسترداد حقوق الشعب الفلسطيني، وكذا محاولة لعب دور تحقيق التقارب وتجسير الفجوة بين الجانب العربي والإسرائيلي. فهل صحيح أن هناك تراجع وتحلي عن التفاعل مع المحيط العربي كتابث في السياسة الخارجية كما كان عليه في عهد الملك الراحل؟أم أن الإشكال في المتغيرات الدولية، وبالتالي فالتغيير في السياسة الخارجية المغربية ليس تغيرا في الثوابت والمحددات بقدر ماهو تغير على مستوى تفعيل هذه المحددات وتوظيفها بشكل يحقق مصالح المغرب.
فمن غير الممكن تحقق احتمال إلغاء التوجه العربي للسياسة الخارجية المغربية فلظاهرة الاستمرارية في السياسة الخارجية المغربية أسباب ترتبط بوجود توابث ومحددات رئيسة تتمثل في التاريخ والجغرافيا  والتوجه العربي
أكد المغرب على توجهه العربي قبل حصوله على الاستقلال بوقت قصير، وتأكد ذلك التوجه خاصة في خطاب الملك محمد الخامس في مدينة طنجة عام 1947 ، كما ثم إقراره في أول دستور للمملكة بعد الاستقلال في الدساتير التي تلثه، والتي نصت على أن المغرب دولة عربية مسلمة، ويمكن القول أن المغرب حاول على الدوام تعزيز الصورة العربية الاسلامية لسياسة في العالم العربي على الرغم من بعض الصعوبات الراجعة إلى الاختلافات القائمة بن النظام الملكي المغربي والأنظمة الثورية. حيث كان المغرب متخوفا من المد القومي الكاسح للمنطقة أنذاك، وهو ما طبع التفاعل المغربي العربي بنوع من الحضور الحذر وهو ما سوف يتحول إلى انخراط تدريجي في المحيط العربي. ثم حضور فاعل ومتوازن من خلال احتضان المغرب للعديد من القمم العربية الإسلامية (10) من أجل العمل على إيجاد المناخ الكفيل بتسوية الأزمات والقضايا والقضايا العربية (11)، ورغم أن مبادلات المغرب التجارية هي أساسا مع الغرب وكذك التعاون الاقتصادي والثقافي. فإن مغرب الستينات كان محتفظا في علاقته الوثيقة مع الغرب بالمسافة الضرورية التي تطبع مواقفه بالاستقلال مع التضامن الضروري (12).

ولمعالجتنا لهذا الموضوع  سيتم تقسيمه كالتالي:
المبحث الأول: الدبلوماسية المغربية تجاه التحالفات العربية
المطلب الأول: على مستوى التحالفات ذات البعد الجغرافي
الفقرة الأولى: الاتحاد العربي الإفريقي
الفقرة الثانية : اتحاد المغرب العربي
المطلب الثاني: على مستوى التحالفات ذات البعد الدبلوماسي
الفقرة الأولى: جامعة الدول العربية
الفقرة الثانية: جبهة الصمود والتحدي
الفقرة الثالثة: مجلس التعاون العربي
المبحث الأول: الدبلوماسية المغربية تجاه التحالفات العربية
إن الأسس التي ترتكز عليها تحالفات ومحاور الأنظمة العربية تتعدد وتتنوع بتعدد وتنوع هذه التحالفات. ويمكن التمييز ==== ذي بدء بين التحالفات التي ترتكز على أساس جغرافي وتلك التي ترتكز على أساسي سياسي.
ذلك أن تقاطع الجغرافية والسياسية مع السمة القومية للنظام العربي، يعمل استمرار على تكوين أنظمة فرعية داخل النظام العربي، وهي الأنظمة التي نطلق عليها هنا اسم المحاور أو التحالفات، والعلاقة بين المؤثرات الجغرافية والمؤثرات السياسية في إنشاء التحالفات علاقة جدلية متداخلة ومعقدة، فالمصالح السياسية بما تعكسه من علاقات معقدة ومتشابكة، قد تعمل على ===== ما تجمعه الجغرافية من أنظمة دول متجاورة. كما أنها أي المصالح السياسية قد تعمل، وبنفس الدرجة من الفعالية في أحيان أخرى على جمع ما تشتته الجغرافيا من أنظمة ودول متباعدة، وعلاوة على ما سبق فإن الجوار الجغرافي من جهته يعمل دائما على تكثيف درجة التفاعلات بين الدول المتجاورة سواء بالسلب أو الإيجاب، بل إنه يعمل في بعض الأحيان على تكوين كتل جهوية يضطرها الجغرافي بين وحداتها إلى استكشاف سبل للتقارب فيما بينها. وهذا يعني أن العلاقة بين ماهو جغرافي وماهو سياسي ليست علاقة تنافر على الدوام. فكثيرا ما تعمل الجغرافيا والسياسة مع على إنشاء كثل جيوسياسية متحالفة تسعى جاهدة للم شملها في إطار العالم العربي المترامي للأطراف.
المطلب الأول: على مستوى التحالفات ذات البعد الجغرافي:
يلعب عامل الحوار الجغرافي –كما سبق القول- دورا أساسيا في رفع درجة كثافة التفاعلات بين الدول، وقلما يجد المرء دولتين متجاورتين لا تتميز علاقاتهما الثنائية بدرجة عالية من التفاعلات، وهذا أمر طبيعي نظرا لوجود قنوات عديدة للتأثير المتبادل فيما بين هذه الدول، ويكفي تبادل الأفكار والسلع وتدفق الأفراد على الحدود لتكوين أنسجة سوسيواقتصادية وسياسية تلعب دورا كبيرا في تكثيف تفاعل البلدان المتجاورة.
والجدير بالإشارة أن حدة التفاعلات قد تكون إيجابية لصالح البلدان المتجاورة ولصالح شعوبها، عندما تكون الحدود مجالا لتدفق الخيرات، كما هو الحال في علاقات الأنظمة السياسية المتقاربة في توجهاتها السياسية العامة والتي تعترف بمشروعية بعضها البعض.
الفقرة الأولى: الاتحاد العربي الإفريقي:
قبل أن ترتسم معالم البناء المغاربي عبر اتفاقية مراكش ==== فقد سبقته محاولات اتخذت طابع البحث عن تحالفات تكتيكية لمواجهة الطرف الآخر.
فالعزلة الدبلوماسية التي بات يتخبط فيها المغرب على المستوى المنظمات الدولية، والتجاء الجزائر إلى خلق محور داخل المغرب العربي من خلال معاهدة الإخاء والتعاون التي أبرمتها تونس وموريتانيا في 19مارس ====، وكذلك استمرار تحرشات البوليساريو بالقوات الملكية المغربية، جعل التفكير في ضرورة البحث عن فك هذه العزلة أمر لا مناص منه. وفي هذا الصدد يمكن رصد المعاهدة التي أبرمت في وجدة بين المغرب والجماهيرية العربية الليبية في 13أغسطس =====. وهي التي عرفت بالاتحاد العربي الإفريقي والتي برر العاهل المغربي إبرامها كما يلي: ".... كان أبنائي يتعرضون أنذاك لقصف مدفعين أحدهما جزائري والثاني ليبي. وكان من أوجب واجباتي إسكاتهما فبتوقيع هذه المعاهدة تمكنت من جعل القدافي====. وحصلت على التزامه لي بعدم الاستمرار في تقديم أدنى مساعدة لأعدائي وللبوليساريو وقد قال لي العديد من المسؤولين آنذاك "لقد أوقع بكم " وقد كنت أرد عليهم " إذا كان الأمر كما تصورته فستكون غلطتي، ولكن عليكم بالتريث قليلا قبل الحكم علي بالإخفاق"
لكن هذه الوحدة التي كانت تبدو للكثيرين ضد الطبيعة، ومجرد فعل ظرفي أكثر منها خيارا استراتيجيا، كان من الطبيعي أن لا تصمد في وجه التناقضات التي عرفها ===== الدواتين.
ولم تنفجر هذه الوحدة بسبب عوامل داخلية، بل إنها بينت من جديد أن المحيط الخارجي يمكن أن يكون حاسما في تحديد بعض المسارات، فهذه الوحدة لم تستطع الصمود في وجه العدوان الأمريكي على طرابلس وبنغازي في 10 أبريل =====، فقد وجدت الدبلوماسية المغربية نفسها في موقف حرج بين إعلان مساندته لحليفة ليبيا طبقا ===== المعاهدة. وبالتالي التعرض لانتقادات وربما ضغوط وانتقام الولايات المتحدة التي تربطها علاقات تاريخية وسياسية تقليدية. لذلك فقد حاول المغرب أن يقف موقفا متوازنا. ففي الوقت الذي أعلن عن تضامنه مع الشعب الليبي فإنه دعا الولايات المتحدة إلى تغليب منطق الحوار والطرق السليمة لحل الخلاف القائم.
لكن إذا كان الطرفان فإن قد استطاعا تجاوز هذا الحدث، فإن هذا العمل الوحدوي سيتكسر شهورا قليلة بعد ذلك في سياق اللقاء العلني بمدينة إفران المغربية بين العاهل المغربي والوزير الأول الإسرائيلي أنذاك شمعون بيريز في  في 21و22 يوليوز =====. فلم تستسخ ليبيا هذا اللقاء، واعتبرته بمثابة خيانة عظمى للقضية العربية وتصرف لا يطاق. وهو الموقف الذي انتهزه المغرب لإدانة الاتفاقية، وبالتالي استرجاع حرية تصرفه. وفك بيني هذه النتيجة بوضوح إخفاق محاولة ظرفية قد تقفز على منطق الواقع، وبالتالي لا بد من إعادة النظر في أساليب تحقيق البناء المغاربي.
الفقرة الثانية: اتحاد المغرب العربي:
في 17فبراير1989بمراكش، وقع زعماء الدول المغاربية الخمسة، المغرب، الجزائر،تونس،ليبيا،موريتانيا، وثائق قيام اتحاد المغرب العربي.
فقد كان أمام القمة المغاربية بمراكش ثلاث صيغ للوحدة المغاربية. فالمشروع المغربي ينطلق من ما يسميه "ما يجمع شعوب المغرب العربي من أواصر متينة قوامها الاشتراك في الأصل والجغرافية والتاريخ والدين واللغة .
واستجابة لما هذه الشعوب وقادتها من تطلع عميق وثابت إلى إقامة اتحاد بينها. يعزز ما يربطها من علاقات ويتيح لها السبل الملائمة لتخطو تدريجيا نحو تحقيق اندماج أشمل فيما بينها يكون من شأنه إيجاد تضامن فعلي بين أقطارها ووضع قواعد مشتركة لضمان تنميتها في المجال الاقتصادي والاجتماعي ويعتبر مشروع المغرب "اتحاد المغرب العربي" منطلقا نحو اتحاد أوسع يشمل دول أخرى عربية وإفريقية.
فلتعرف على الطبيعة القانونية لاتحاد المغرب العربي فقد تركت القراءات الممعنة لهذه الاتفاقية مجموعة من التساؤلات يمكن تلخيصها على الشكل الآتي: من أي أنواع الاتحادات يدخل اتحاد المغرب العربي المنشأ بموجب معاهدة مراكش؟
أي هل الاتفاقية أنشأت اتحاد فدراليا أم كونفدراليا؟ أم أنها أنشأت منظمة دولية أو سوق مغاربية مشتركة؟
إن اتحاد المغرب العربي بناء على مجموعة من المعطيات يتبين أنه ليس باتحاد فيدرالي لأن هذا النوع من الاتحاد يقتضي ذو بأن شخصية الدول المكونة له وسيادتها في شخصية الاتحاد لتتكون دولة فيدرالية واحدة. كما أن عدم تمتع هذا الاتحاد بالشخصية القانونية الدولية من جهة وانعدام اختصاصات ذاتية يباشرها في المجتمع الدولي، وفي مواجهة الدول الأعضاء نفسها باستقلال عن أعضائه، تجعله بعيدا عن كل من نمط السوق الأوروبية المشتركة، أو اية منظمة دولية أخرى وتجعله في ذات الوقت أقرب إلى نمط الاتحاد الكونفدرالي.
فالبنية المؤسسية لهذا الاتحاد تبدو بسيطة رغم كثرة الهيئات التي يتوفر عليها وذلك لتمحورها جمعها حول مجلس الرئاسة، ولكونها هيئات ذات طابع حكومي وتقني تنفيذي (مجلس وزراء الخارجية، اللجان الوزارية المتخصصة، لجان المتابعة، والأمانة العامة أو ذات طابع استشاري مجلس الشورى)
1) عبد الوهاب معلمي- اتحاد المغرب العربي-قراءة شكلية-الاتحاد الاشتراكي 19مارس  1989 ص3.
ان اتحاد المغرب العربي الذي عمل على الانتقال بالمنطقة من العلاقات الجامدة والمتوترة إلى علاقات أهم ما بدأت تتميز به هو الهدوء والتعاون "المحدود" يعرف الان نوعا من التعثر في مسيرته، إن لم نقل أن قطار الوحدة والاندماج توقف دون تحديد تاريخ لانطلاقه من جديد، فجل الاتفاقيات التي ثم إبرامها بين دول اتحاد المغرب العربي سواء المتعلقة منها بالمبادلات التجارية، أو التعريفة الجمركية، أو المواصلات، لم تدخل بعد حيز التنفيذ، وإن كانت حل التبريرات التي تعطي لتفسير هذا التأطير في التنفيذ تعزى إلى أسباب تقنية، في حين أن الأسباب الحقيقية هي أعمق من ذلك بكثير حيث تضاف إلى العوائق المؤسساتية التي يواجهها اتحاد المغرب العربي.
مشاكل اقتصادية، اجتماعية ومشاكل سياسية تعرفها دول المغرب أبرزها قضية الصحراء المغربية، التي لم يتم حلها نهائيا بعد، ومشكل الأصوليين في الجزائر، ثم قضية ======، وردود الفعل الليبية إزاء الموقف المغاربي الصامت.
أولا: قضية الصحراء المغربية وتأثيرها على مسار الوحدة المغاربية:
إن ميلاد اتحاد المغرب العربي في 17فبراير1989 في مراكش جاء بعد إعادة تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين الرباط والجزائر في 16ماي1988، هذه العودة التي شكلت تغييرا مهما في تاريخ المغرب العربي، ذلك أنه ومنذ 1975 تميزت العلاقات بين البلدين بالتوثر، بسبب قضية الصحراء الغربية، هذا التوثر الذي كاد أن يؤدي في بعض الأحيان إلى حرب مباشرة بين البلدين خاصة وأن الجزائر كانت تستضيف على أراضيها مخيمات البوليساريو، لكن القيادتين الجزائرية والمغربية توصلتا إلى التحكم في توجهاتها السياسية، والعسكرية لتجنب اية مواجهة بين البلدين خاصة وأن كلا منهما لازال يذكر حرب الرمال في خريف 1963، والتي واجه فيها الجيشان المغربي والجزائري بعضهما، والنتئج الوخيمة التي خلفتها هذه المواجهة.
إن مشكل الصحراء المغربية كان دائما يضع العلاقات الدبلوماسية يبن الدول المغاربية في موقف حرج، ذلك أن الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين ما فتيء يعمل من أجل الاعتراف بالجمهورية الصحراوية التي أعلنت استقلالها من جبهة البوليساريو سنة 1976، رغم أنها لم تكن تتوفر على أرض مستقلة، وحتى الان فإن قضية الصحراء الغربية  لم تتم تسويتها نهائيا بعد لكنها مع ذلك لم تعد تشكل أي عائق أمام المبادرات الدبلوماسية للدول المغاربية، خاصة وأن المشاكل الداخلية لكل بلد مغاربي. وخاصة الجزائر على إثر انتفاضة الخبز سنة 1988، مما جعل هذا البلد يولي اهتماما لمشاكله الداخلية أو التأثير الذي أصبح يلعبه الأصوليون على الساحة السياسية، دون أي مشكل جانبي آخر، مما أفقد جبهة البوليساريو الدعم الذي كانت تتلقاه من الجزائر، أو من ليبيا سابقا بعد التوقيع على اتفاقية الاتحاد العربي الإفريقي، ثم اتفاقية مراكش 17فبراير1989، الشيء الذي جعل العديد من ممثلي جبهة البوليساريو يلتحقون بالمغرب ====== ====== ملك المغرب " الحسن الثاني" "إن الوطن غفور رحيم" ويأتي التوقيع  على مشروع القرار المشترك المغربي الجزائري الذي ثم عرضه على رئيس اللجنة الرابعة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة لكي تتم المصادقة عليه لاحقا، قبل أن يتم توجيهه إلى الجمعية العامة للمصادقة النهائية  ===== للجهود التي يحاول كل من البلدين  اتخاذها من أجل الإسراع بحل مشكل الصحراء المغربية، ولكن وإذا كانت قضية الصحراء الغربية لت تعد تشكل أي عائق أمام المبادرات الدبلوماسية بالمغاربية، فإنها مع ذلك تعطل مسيرة الوحدة المغاربية، خاصة وأن الدول المغاربية لم تتخذ  اية إجراءات عملية تهدف إلى الحل النهائي لهذا النزاع. مما قد يساعد على التخفيض من العجز المالي للدول المعنية بهذه القضية نتيجة النفقات العسكرية من جهة، ومن جهة أخرى يجنب كل ما من شأنه أن يعرقل مسيرة الوحدة المغاربية، ويؤدي إلى فشلها كما وقع لتجارب الوحدة المغاربية السابقة.
الفقرة الثالثة: مجلس التعاون الخليجي:
هو منظمة إقليمية عربية مكونة من ست دول أعضاء تطل على الخليج العربي هي الإمارات والبحرين والسعودية وسلطنة عمان وقطر والكويت. كما يعد كل من العراق باعتباره دولة عربية مطلة على الخليج العربي واليمن (الذي يمثل الامتداد الاستراتيجي لدول مجلس التعاون الخليجي) دولا مرشحة للحصول على عضوية المجلس الكاملة حيث يمتلك كل من العراق واليمن عضوية بعض لجان المجلس كالرياضية والصحية والثقافية
تأسس المجلس في 25مايو1981 بالاجتماع المنعقد في أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة  وكان كل من الشيخ جابر الأحمد الصباح والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من أصحاب فكرة إنشائه، يتولى الأمانة العامة للمجلس حاليا عبد اللطيف بن راشد الزياني، ويتخذ المجلس من الرياض مقرا له.
 حدد النظام الأساسي لمجلس التعاون أهداف المجلس في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها، وتوثيق الروابط بين شعوبها، ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين الاقتصادية والمالية، والتجارية والجمارك والمواصلات. وفي الشؤون التعليمية والثقافية والاجتماعية والصحية والإعلامية والسياحية والتشريعية والإدارية، ودفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية، وإنشاء مراكز بحوث علمية وإقامة مشاريع مشتركة تعاون القطاع الخاص.
إن المغرب بحكم انتمائه إلى مجموعة من الأنظمة الإقليمية الفرعية، يسعى إلى استغلال كل الفرص المتاحة لديه لإقامة علاقات إقليمية إستراتيجية. وهكذا بعد نجاحه في الحصول على موقع متقدم في شراكته مع الاتحاد الأوروبي وفي ظل الركود الذي يعيشه اتحاد المغرب العربي، فإن المغرب استغل وبطريقة جيدة المتغيرات الإقليمية التي حدثت في المنطقة العربية.
وإذا كان المغرب عبر العقود الماضية، هو من يطالب بالانضمام إلى نظام إقليمي معين كالاتحاد الأوروبي أو يرتجى إحياء نظام إقليمي فرعي من قبيل اتحاد المغرب، فإن علاقته بمجلس التعاون الخليجي تعتبر مختلفة نسبيا عن الحالتين السابقتين، وبالرغم من ذلك، فإن مجلس التعاون أعلن في  اجتماع له في السعودية سنة 2011. وبدون مفاوضات تمهيدية قبوله انضمام المغرب والأردن إليه، فإذا كان الانضمام مطمحا ومسعى ==== فإنه لم يكن كذلك بالنسبة إلى المغرب، فالعلاقات المبنية بين الرباط ودول الخليج لم تصل إلى مستوى العلاقات السياسية.
إن علاقة المغرب الوطيدة سياسيا بالدول الخليجية جاءت نتيجة العلاقات الشخصية التي نسجها الملك الراحل الحسن الثاني مع قيادات تلك البلدان، خصوصا العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبد العزيز حيث كان الحسن II يرى أنه يستحيل على المغرب أن يقف موقفا مناقضا للسعودية، ولا يمكنه أن يصطف في جهة لا يوجد بها الملك، وبالرغم من المسافة الجغرافية التي تفصل المملكة المغربية عن منطقة الخليج العربي، فإن ذلك لم يحل دون قيام علاقات قوية، صحيح متفاوتة الأهمية مع دول المنطقة استندت على عناصر مشتركة تجمع الطرفين، منها ما هو موضوعي مرتبط بالعروبة والإسلام وبالنظام الإقليمي الذي ينتمي إليه الطرفان، ولكن أيضا غلى عناصر ذاتية ترجع إلى العلاقات الخاصة التي نسجها العاهل المغربي من خلال خبرته الطويلة مع القادة والمسؤولين في الدول الخليجية ولا سيما مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية.
وإذا كانت العلاقات المغربية الخليجية تكتسي طابعا تعاونيا ====== عدة قنوات فإن المهم والأساسي هو الكشف عن المشروع الذي تستند إليه، والذي يشكل اللحمة الأساسية التي توجهها، في نفس الوقت، فإن منطقة الخليج ظلت منذ الثمانينيات مركز استقطاب دولي بفعل الأحداث التي شهدتها، والمتجلية أولا في الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت من سنة ==== حتى ===== ثم بعد ذلك أزمة الخليج الثانية الناتجة عن الاجتياح العراقي للكويت.
إنه بعد اتضاح صعوبة انضمام المغرب إلى مجلس التعاون، ارتأت الدول الخليجية الأربع(السعودية وقطر والإمارات العربية والكويت) خلف صندوق مالي لمساعدة المغرب يحتوي على 5 ملايير دولار ستقسم على خمس سنوات ابتدءا من 2012إلى  2016بغية تطوير وتنمية مجموعة من القطاعات كالزراعة والخدمات الاجتماعية وتقوية البنيات التحتية.
وبناء على ما أوردناه فإن التطور الحاصل أمر إيجابي. إلا أنه يظل غير كاف ودون مستوى تطلعات شعوب الطرفين حيث لازال هناك ضعف واضح في الاندماج الأفقي الاقتصادي على المغرب ودول الخليج. كما أنه بالرغم من حجم الاستثمارات الخليجية فإنها لا تتعدى في أحسن الأحوال 30 في المائة، بل تقلصت في بعض السنوات إلى حدود 15 في المائة إضافة إلى المجال الصناعي والتصدير الفلاحي والزراعي بالمغرب لازال ودول الخليج موجها نحو أوروبا. في حين أن لا توصل إلى حدود الان خطوط نقل بحرية منتظمة بين المغرب ودول الخليج.


المطلب الثاني: على مستوى التحالفات ذات البعد إيديوسياسي
رغم الدور الذي يلعبه الجوار الجغرافي في إقامة التحالفات، والذي تناولناه بالبحث في الصفحات السابقة، فإن عامل التقارب السياسي لا يقل عنه تأثيرا في دفع أطراف نظام دولي إلى عقد التحالفات أو فضها. ونقصد بالتقارب السياسي هنا جميع الظروف والملابسات التي تدفع طرفين أو مجموعة من الأطراف في ظل نظام دولي أو نظام إقليمي معين، إلى الدخول في محاور وتحالفات من أجل تحقيق غايات وأهداف سياسية يراها كل طرف حيوية بالنسبة له ويعجز عن تحقيقها بمفرده.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن النظام الديبلوماسي العربي يتوفر على قدرة كبيرة في إقامة التحالفات والمحاور السياسية، والمحاور المضادة(). والتي ما تكاد تبرز إلى الوجود حتى تتلاشى تاركة المجال لتحالفات ومحاور أخرى جديدة، وقد أشار أحد الباحثين إلى هذه الظاهرة بقوله:
"لم يتوقف النظام العربي لحظة عن إفراز المحاور السياسية المتنافسة أو المتناقضة وبشكل قيام المحور، عمليا، إقرارا بعدم إمكانية طرف ما في السيطرة على النظام بأكمله، مما يدفعه إلى تشكيل مجموعة صغيرة في البلدان المؤيدة له، أو التي هي بحاجة إليه، بهدف إقامة تكتل مؤيد، يمكن اعتباره خط دفاع أول، ولاشك أن دينامية النظام الذاتية تجعل إنشاء محور ما يحمل في طياته إنشاء محور مقابل"().
وقد عرف تاريخ العلاقات العربية المعاصرة انقسام الأنظمة العربية إلى تحالفين عريضين اثنين: تحالف الأنظمة الراديكالية الذي كانت تتزعمه مصر الناصرية وحزب البعث في بلاد الشام، وتحالف الأنظمة المعتدلة بزعامة المملكة العربية السعودية. فعلى امتداد الخمسينات والستينات شهد العالم العربي صراعا تقاطبيا بين هاتين المجموعتين. وكانت المجموعة الأولى تنزع نحو سياسة تحررية معادية للمصالح الاستعمارية خارجيا. ومؤيدة للطبقات والشرائح الاجتماعية الدنيا داخليا. أما المجموعة الثانية فكانت تتبع سياسة مؤيدة للغرب على الصعيد الخارجي ومحافظة على الصعيد الداخلي مما أدى إلى قيام حرب بادرة بين التحالفين().
الفقرة الأولى: على مستوى جامعة الدول العربية
إن التحاق المغرب بجامعة الدول العربية في أكتوبر 1958 اعتُبر بمثابة منطلق لتوزيع انتماءاته الدبلوماسية وتكثيف السند للمشكلات العالقة المرتبطة باستكمال وحدته الترابية، كما هو الأمر بالنسبة للقضية الموريتانية التي عرضت على الجامعة العربية. لقد أعقب هذا الانضمام رسميا إلى جامعة الدول العربية تحركات دبلوماسية مكثفة كمثلث في استقبال المغرب للدورة 32 لمجلس الجامعة في سنة 1959 وفي الزيارة التي قام بها الملك الراحل محمد الخامس إلى بعض بلدان المشرق العربي في يناير 1960 (مصر والعراق والسعودية والأردن) استهدفت ضمان التأييد الدبلوماسي للمغرب في حالة طرحه للقضية الموريتانية على أنظار الأمم المتحدة. وذلك ما تم في مؤتمر شتورة في بيروت، حيث خرج المغرب بتصريح مبدئي حول القضية يعلن مساندة الجامعة العربية المطالب المغربية حول موريتانيا.
بيد أن هذه الخطوات لم تتم في مناخ مشجع بل إن بداية الستينات تميزت يتوترات في العلاقات المغربية مع بعض الأقطار العربية، سواء حول المسألة الموريتانية التي كان من إفرازاتها قطع العلاقات الدبلوماسية مع تونس التي رفضت مساندة المغرب واعترفت بالواقع الموريتاني، وكذلك مع الجزائر ومصر بسبب النزاع الحدودي المغربي/الجزائري ومساندة مصر للجزائر (وسنتعرض لهذا الموضوع بالتفصيل في الفقرة المتعلقة بالمغرب واتحاد المغرب العربي من المطلب الثاني).
ففي ظل هذه الأجواء المتوثرة كانت مشاركة الملك الحسن الثاني في مؤتمر القاهرة سنة 1964 فرصة لتصفية الأجواء من خلال اللقاءات التي تمت على هامش المؤتمر حين اجتمع كل من العاهل المغربي والرئيس المصري وانضم إليهما الرئيس الجزائري أحمد بن بلاّ وكذلك لقاء بين ملك المغرب والرئيس التونسي الحبيب بورقيبة والرئيس المصري جمال عبد الناصر. وقد أسهمت هذه اللقاءات في تحسين العلاقات المغربية مع هذه الأقطار.
وفي الواقع، حاول أول مؤتمر للقمة ينعقد في المغرب في الدار البيضاء سنة 1965 تكريس العمل على تطويق النزاعات والخلافات وإيجاد أرضية للتعامل بين الأنظمة العربية بغض النظر عن اختلافاتها الأيديولوجية والسياسية وكان من أهم قراراته إصدار ميثاق التضامن العربي الذي استند إلى عدة مبادئ منها العمل على تحقيق التضامن في معالجة القضايا العربية كافة ومراعاة النظم السائدة فيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ومراعاة قواعد اللجوء السياسي وقوانينه وفقا لمبادئ القانون الدولي والعرف الدولي. لكن على الرغم من هذه الخطوات التي تمت عن طريق التحام المغرب مع محيطه العربي فإن تفاعله المؤثر لم ينطلق إلا مع هزيمة 1967 ليترسخ مع التحولات التي أفرزتها حرب أكتوبر 1973().
فهذه الأحداث العربية فجرت على المستوى الشعبي وعيا بارتباط المصير المغربي بمصير القضايا والكفاح العربي العادل، وقد تجلى ذلك، سواء على مستوى المثقفين أو على المستوى الحزبي حيث ستسعى بعض الأحزاب الوطنية وبالأساس حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية بعد زيارة أحد أعضاء منظمة فتح إلى تأسيس الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني.
وعلى الواجهة الرسمية، كانت الدبلوماسية المغربية قد ركزت مباشرة بعد حرب 67 اهتماماتها على الدعوة إلى البحث عن الصيغ السلمية الملائمة لاسترجاع الأراضي العربية المحتلة وتحاشي الصراعات العربية/الغربية.


       ·سلوك مغربي محايد تجاه القضايا العربية:
 باستثناء التقارب الذي لاحظناه بين المغرب والجامعة العربية في إطار طرح المغرب للقضية الموريتانية على أنظار الجامعة في مؤتمر شتورة. فإن تراخي هذه العلاقات وتراجع حجمها ما فتئ يعود ليقلص من دور المغرب داخل الجامعة العربية وفي إطار تفاعلات النظام الإقليمي العربي بصورة عامة. ولعل أسباب هذه السياسة المغربية تجاه الجامعة، ترجع أساسا إلى تقلبات الظرفية السياسية العربية، إذ أنها ارتكزت على سلبيات التمحور الشديد الذي ميز العلاقات العربي واستندت على خطورة النزاعات العربية التي انفجرت بين أطراف الجامعة. فالمغرب ظل ينهج دبلوماسية متذبذبة حيال القضايا المطروحة في جامعة الدول العربية، يسعى من خلالها أساسا إلى تفادي التورط في هذه الصراعات بين أعضائها فالسلوك المغربي إزاء الجامعة وفي ظل ظروف كان من الصعب أن ينجو فيها قطر عربي من آثار الوضع السلبي العربي وانعكاساته المباشرة أو غير المباشرةحافظ على سياسة الحياد وعدم الانسياق وراء اتخاذ مواقف قد تحرج أيا من التيارين المسيطرين على الجامعة العربية. كما أن عدم استكمال المغرب لوحدته الترابية وعزوفه عن المشاركة في لعبة التحالفات العربية قد أثر بشكل واضح على اختيار المغرب لموقف الحياد من هذه النزاعات والتحالفات التي أحدثتها وتمسكه بضرورة إيجاد حلول لهذه النزاعات في إطار الجامعة فالديبلوماسية المغربية تجاه المحاور العربية غلب عليها طابع التذبذب والمحاباة الذي تأرجح بين التفاهم والدعم الخفي للأنظمة المعيرة عن الاتجاه المحافظ ذي التوجه الإسلامي في نفس الوقت الذي كانت تلجأ إلى المراهنة والمحاباة للمحور الراديكالي الذي يرفض الأوضاع القائمة ويرفض الارتباط بالمغرب وهذا يعود إلى إيمان المغرب بالتعاون العربي الفضفاض وبدبلوماسية المشاورات العربية مع مزجه بين مفهومي العروبة والإسلام. وبالتالي سنرصد مواقف المغرب تجاه النزاعات العربية في إطار الجامعة:


أ-الموقف المغربي من النزاع العراقي الكويتي:
تبلور الموقف المغربي إزاء هذا النزاع عبر مداولات مجلس الجامعة خاصة وأن مندوب المغرب لدى الجامعة السيد عبد الخالق الطريس الذي ترأس الدورة التي طُرح أمامها النزاع، فقد طالب مندوب المغرب الدول العربية بالنظر إلى المشكلة الكويتية نظرة تتماشى مع المصالح العربية العليا. وأعلن عن أمل المغرب في أن تسفر دورة الجامعة عن تدعيم الوحدة العربية. فإزاء هذا النزاع استطاع المغرب أن يتجنب الانسياق وراء موجة التعاطف مع العراق [رغم أن معطيات النزاع العراقي الكويتي كانت تنطوي على البعض العناصر الكفيلة بدفع المغرب إلى مساندة الموقف العراقي بصورة لا مشروطة](). فقد حافظ الوفد المغربي على قدر كبير من الاعتدال في تدخلاته أمام المجلس ولم يتجاوز حد التحذير من الوضعية التي ستؤول إليها الجامعة عندما يتخذ قرار قبول الكويت في حضيرتها.
فالاعتدال الذي ميز المواقف المغربية برهن على مرونته الدبلوماسية، فقد كان المغرب براغماتيا في تعامله مع النزاع، حيث استطاع الخروج من شبه مأزق دبلوماسي دون أن يثير عداء أيا من الأطراف المتنازعة.
ب-استمرار المغرب في الحياد تجاه النزاعات العربية:
النزاع المصري السوري الذي اندلع غداة انهيار الوحدة بينهما، ومن الحرب الأهلية اليمنية فموقفه من هذين النزاعين يعني في واقع الأمر الإعلان عن موقف من العلاقات المصرية المغربية وأن التزام المغرب بالحياد في هذه القضية كان محاولة منه لترضية كل من القاهرة ودمشق حيث فضل الالتزام بموقف انتظاري حتى تستقى الأمور، وبالتالي لم يعترف رسميا بالحكومة السورية إلا في 17 دجنبر 1961. فنمط تعامل المغرب مع القضايا التي أفرزتها تفاعلات أعضاء الجامعة العربية مافتئ يتأكد عندما اندلعت الحرب الأهلية في اليمن في 1962 ففي ظل غياب إرادة عربية جماعية لتصفية الخلاف بين أطراف الأزمة اليمنية والجمود الذي فُرض على الجامعة، ترد المغرب في منح اعترافه بحكومة صنعاء. [ولعل استنكاف المغرب عن الانضمام إلى جناح السعودية والأردن بإفصاحه عن اعترافه بحكومة اليمن الحرة وعدم ميله إلى ترجيح كفة ج.ع.م. والدول العربية التي اعترفت بالنظام الجمهورية في صنعاء قد أملته بعض الاعتبارات الإقليمية والدولية أما على المستوى الدولي] فقد فرضت الخطورة الاستراتيجية الكبيرة لليمن وأهمية موقعه الجيوسياسي على مجموعة من الدول العربية – منها المغرب التحفظ في اتخاذ أي مبادرة من شأنها أن ترجح ميزان القوى لصالح أحد الأطراف فهذه العناصر دفعت المغرب على عدم الاعتراف المتسرع بحكومة صنعاء إلا أنه بعد تلاحق عدد من المتغيرات تخلى المغرب عن تحفظه واعترف بالحكومة الجمهورية في اليمن رسميا في 18 مارس 1963. كما استجاب لرغبة الجامعة العربية في دعم الحكومة اليمنية في جميع المجالات الدولية، مع ذلك ظل المغرب بمعزل عن دائرة الوساطات العربية ومساعي المصالحة والتوفيق [كما أن تدهور علاقات المغرب مع ج.ع.م بسبب الدور المصري أثناء الاشتباك المغربي الجزائري مثل بالنسبة للمغرب أقوى الدوافع للإحجام عن أي مبادرة اتجاه النزاع اليمني](). إلا أن أهم المتغيرات التي ظهرت على دبلوماسية المغرب تجاه التحالفات العربية كان بروز دبلوماسية مؤتمرات القمة العربية وما أحدثته من تواصل بين الأطراف المعتدلة والراديكالية داخل الجامعة العربية.
       ·القضية الفلسطينية ضمن السلوك الدبلوماسي المغربي:
مثلت القضية الفلسطينية محورا رئيسيا في الانفتاح الدبلوماسي المغربي على تفاعلات الساحة السياسية العربية ولعل الانتصار الدبلوماسي الذي حققه المغرب على المستوى العالمي شجعه على الاستمرار في الاضطلاع بدور الوسيط على المستوى العربي.
فالمغرب له موقف واضح من القضية الفلسطينية حيث حرص على عدم اعتماد أي إصلاح للمنطقة العربية خارج تسوية عادلة للقضية الفلسطينية التي تعتبر جوهر الصراع والتوتر الدائر في منطقة الشرق الأوسط منذ عدة عقود.
فالبعد العربي لا يزال ثابتا من ثوابت الدبلوماسية المغربية وأن المغرب كان ولا يزال حريصا على التفاعل مع محيطه العربي بكل ما يحب لبه من إشكالات وقضايا وأن الملك محمد السادس كما والده الراحل الملك الحسن الثاني حافظ على موقفه المعتدل والواقعي القائم على التوفيق بين ضمان حق الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة وبين تحقيق الأمن والسلام.
الفقرة الثانية: جبهة الصمود والتصدي
شهد النصف الثاني من السبعينات سلسلة من التغييرات الاستراتيجية في مواقف الأنظمة العربية من القضايا الكبرى المطروحة على العالم العربي، وأبرز هذه القضايا مواقف الأنظمة العربية من الصراع العربي – الاسرائيلي والقضية الفلسطينية، ويمكن القول اليوم وبعد مرور وقت كاف يمكننا من الحكم الموضوعي على الأحداث والوقائع، أن تلك التغييرات كان لها وقع كبير على مستقبل العالم العربي، إذ شكلت انعطافات حاسمة غيرت مجمل التحالفات السائدة في المنطقة، وقلبتها رأسا على عقب.
ففي ظل هذا الانعطاف الدرامي الشديد الانحدار، برزت جبهة الصمود والتصدي كتحالف جديد قائم على أنقاض التحالفات السالفة المندثرة، وهو تحالف شكل بالأساس من الأطراف العربية التي اعتبرت نفسها أكثر تضررا من غيرها من عواقب السلام المصري-الإسرائيلي. وكان على رأس هذه الأطراف سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية بالدرجة الأولى، ثم ليبيا والجزائر واليمن الجنوبي.
وكان التحالف الجديد يستمد قوته مما تبقى في المنطقة العربية من نفس قومي متقطع، فعكست هذه الجبهة عند تشكيلها، عودة الروح إلى جسد العروبة، المنهكة، وتجديد الآمال القومية في الوحدة. وفي ظل الوضع الحرج راحت الجبهة تحاول البحث عن هوية مفقودة تجنح بها نحو المتأسس، وتحاول في نفس الوقت رسم خطوط عريضة تشكل حدودا للتعامل مع مصر وبلورة مسار سياسي جديد يخرج المنطقة من الوضع الذي تتردى فيه. وذلك قبل أن تعصف بها تطورات الأحداث. وعلى ذلك سنتناول بحث هذا التحالف اعتمادا على النقاط التالية:
حاولت جبهة الصمود والتصدي عبر قممها بلورة اتجاه سياسي تقدمي في إطار الديبلوماسية العربية يتمحور حول هدفين أساسيين أولهما: وقف التدهور الذي تسير فيه المنطقة نحو إقامة سلام انفرادي بين مصر وإسرائيل. وذلك لصالح سلام أكثر شمولية أنه "السلام المشرف والعادل" الذي عملت زيارة السادات إلى القدس على تخريبه.
أما الهدف الثاني فكان هو العمل على أحداث تغيير في موازين القوى السائدة في المنطقة العربية. هذا التوازن الذي اختل بصورة خطيرة لصالح المشروع الديبلوماسي الإسرائيلي الذي عمل على تحييد مصر. وكانت الجبهة تسعى إلى إقرار توازن جديد صالح العروبة الراديكالية.
وهكذا فشلت جبهة الصمود في تحقيق جل أهدافها الأساسية، فلا هي أوقفت مسلسل السلام المصري-الإسرائيلي بل عملت بسبب محاصرتها الديبلوماسية لمصر، على إذكائه وتسريعه. ولا هي استطاعت تغيير موازين القوى المختلة بعمق بسبب جنوح مصر نحو السلام مع إسرائيل. لكنها على العكس من ذلك نجحت في التأثير البالغ على بعض القمم العربية، حيث نجحت في مقاطعة قمة عمان التي كرست أعمالها للجانب الاقتصادي من العلاقات العربية()، كما أنها نجحت في إفشال قمة فاس الأولى()، التي كانت تحاول إقرار المشروع السعودي للسلام
الفقرة الثالثة: مجلس التعاون العربي
عرف النظام العربي خلال بداية عقد الثمانينات أسوأ أداء له، فقد اندلعت على حدوده الشرقية حرب مدمرة بين العراق وإيران، انقسم فيها أعضاء النظام العربي بين مؤيد للعراق، ومؤيد إيران. كما استطاعت إسرائيل خلال نفس الفترة أن تحتل لبنان وتدمر البنية العسكرية لمنظمة التحرير، أمام عجز عربي كامل. وفي الوقت الذي عجزت فيه آليات العمل العربي المشترك والممثلة أساسا في مؤتمرات القمة، عن امتصاص هذه التوترات تحصنت دويلات وإمارات الخليج العربي الخائفة وراء أسوار نظام فرعي جديد قامت بإنشائه تحت اسم مجلس التعاون الخليجي.
ومع نهاية حقبة الثمانينات أفرزت التطورات والتوجهات السياسية الجديدة اقتناعا عريضا لدى العديد من متخذي القرارات، بل ولدى عدد غير قليل من الأكاديميين، بأن التمسك بالوحدة العربية الشاملة أمر عقيم، لذلك فإن الأسلم هو التجمع في أنظمة فرعية داخل النظام العربي الشامل، وكانت تجربة مجلس التعاون الخليجي تغذي هذا الميل لدى الجميع().
لقد كانت الانتفاضة الفلسطينية تضغط على الأطراف المعنية بالصراع العربي الإسرائيلي، وعلى الخصوص إسرائيل والأردن، وبدأت تتعالى في إسرائيل أصوات ترى أن حل المعضلة الفلسطينية لا يمكن أن يتم إلا على حساب الأردن. فالوضع لا يحتمل إلا قيام دولة فلسطينية واحدة هي الأردن ذاتها، لذلك كان لابد أن تتحرك الأردن لمواجهة هذا الوضع. وكان تحركها في اتجاه التنسيق مع دول مشرقية لها وزنها في المنطقة هي العراق ومصر، وهكذا برزت فكرة إقامة تجمع مشرقي في عمان، ويرجع الفضل في صياغة المشروع إلى منتدى الفكر العربي، الذي قام بإعداد ورقة عمل مفصلة بالمزايا التي ستحصل عليها الدول الأربع من المجلس المنتظر.
وكذلك بالعراقيل والمصاعب التي يمكن تجنبها اعتمادا على هذا المجلس، وتجدر الإشارة إلى أن الأهداف التي دفعت الدول الأطراف إلى الدخول في هذه التجربة كانت متباينة أشد ما يكون التباين. فقد كان هدف الأردن كما تشير ورقة العمل التي أعدها منتدى الفكر العربي() عن المشروع، هو دعم أمنها العسكري والسياسي خصوصا في مواجهة إسرائيل التي ترغب في حل القضية الفلسطينية على حسابها، باعتبار أن الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين.
إن الحديث عن وجود أهداف خاصة بكل دولة من الدول الأربع الأعضاء في مجلس التعاون العربي والتي قد تكون متعارضة مع أهداف الدول الأخرى، لا ينبغي أن ينسينا وجود قواسم مشتركة عديدة بين هذه الدول والتي تمثل الدوافع العميقة لهذه الدول للانضمام إلى مجلس التعاون العربي.
وأول هذه القواسم المشتركة – الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تتخبط فيها هذه البلدان جميعا. فعلى النقيض من مجلس التعاون الخليجي الذي نظر إليه كتجمع لأهل الثراء من العرب. فإن مجلس التعاون العربي ضم أربع دول تتخبط حكوماتها جميعا في أزمات اقتصادية خانقة، ولعل أبرز مظاهر هذه الأزمة المديونية الخارجية التي تئن تحت وطأتها هذه الحكومات، والتي تزيد عن أكثر من مائة مليار دولار، حيث دخلت العراق مجلس التعاون العربي وحجم مديونيتها يبلغ حوالي 60 مليار دولار، ترتب أغلبها عن حرب الثمان سنوات ضد إيران، ودخلت مصر المجلس وحجم مديونيتها يفوق أربعين مليار دولار. بينما بلغ حجم مديونية كل من الأردن واليمن مجتمعان حوالي خمسة مليارات من الدولارات. ومعنى ذلك أن مجلس التعاون العربي رأى النور وهو يرسف في أغلال أكثر من نصف مديونية العالم العربي بكامله().
ومن بين هذه القواسم المشتركة كذلك وجود اختلالات اقتصادية هيكلية سواء على الصعيد الداخلي لكل بلد أو في علاقة هذه البلدان بالعالم الخارجي: "فهذه الدول تعاني فجوة متزايدة بين إنتاج واستهلاك الغذاء، وتتسم بانخفاض الانتاجية ومحدودية التنوع في قاعدتها الاقتصادية، والتخلف العلمي والتكنولوجي، وقد أدت هذه الاختلالات إلى تبعية واضحة، وإلى رداءه شروط التبادل والتعامل في النظام الاقتصادي العالمي"()، ولاشك أن لهذه "الفجوة الغذائية". التي تعاني منها دول المجلس عواقب وخيمة على اقتصاديات هذه الدول، إذ: "تتجسد ملامح الفزع في الأداء القطري العاجز عن تحقيق الأمن الغذائي في ذلك النمو الهائل في العجز في الميزان التجاري الزراعي"(). وهو عجز وصلت نسبته خلال عقد من الزمن ما بين سنتي 1975 و 1986، إلى 198 % في حالة الأردن، و 241% في حالة العراق، و 365% في حالة مصر، وأخيرا إلى 407% في حالة اليمن. إن هذا التدهور الكبير مثل كما يقول أحد الباحثين "سببا أساسيا من أسباب العجز الكبير والمتزايد في الميزان التجاري الكلي وميزان المدفوعات في كل من مصر والأردن والجمهورية العربي اليمنية. كما شكل عاملا أساسيا من عوامل انخفاض هذا الفائض في العراق"().
وتتجلى العواقب الأكثر خطورة لهذه الوضعية فيما تتعرض له البلدان المذكورة من ضغوط اقتصادية وسياسية من طرف الدول صاحبة الفوائض الغذائية، التي لا تتورع عن استعمال الغذاء كسلاح أساسي في أيدي ديبلوماسييها لفرض الشروط التي تريد، سواء بطريقة مباشرة أو عن طريق المؤسسات الاقتصادية الدولية.
إن النتيجة المنطقية لهذه المديونية، وهذا الاختلال البنيوي هي بلا شك "عجز حكومات هذه البلدان، في الأمد المنظور عن توفير أي استثمارات تذكر لمشاريع اقتصادية كبرى مشتركة، ومثل هذه المشاريع الكبرى هي شرطي ضرورة وكفاية إذا كان للمجلس أن ينمو ويتطور ويحقق الآمال المعقودة عليه"().
وغني عن البيان أن دولا عديدة في العالم الثالث وفي المنطقة العربية ذاتها تخضع لنفس الضغوط لكن الخصوصية تتجلى في كون العالم العربي، وخصوصا منطقة المشرق العربي تعرف اختلالا فادحا في توزيع الثروة الذي يتناسب تناسبا عكسيا مع توزيع السكان دفول مجلس التعاون العربي المتميزة بفقرها الاقتصادي وكثافة سكانها محاطة في الواقع بدول غنية بالموارد النفطية، لذلك كانت الضغوط الاقتصادية تكتسي نوعا من الخصوصية في منطقة الشرق العربي. وربما كانت هذه الضغوط وراء ارتكاز البناء القانوني للمجلس على أسس التعاون الاقتصادي بالدرجة الأولى.
: انهيار مجلس التعاون العربي
لم يعمر مجلس التعاون العربي أكثر من سنة ونصف من حياته، فالفترة القصيرة الممتدة فيما بين شهر يبراير 1989، حيث كان قادة دول المجلس يجتمعون لتوقيع اتفاقية تأسيس المجلس، وما بين ثاني غشت 1990 وهو تاريخ قيام القوات العراقية باحتلال الكويت، هذه الفترة كانت كافية لتضع جيوش أكبر دولتين من دول المجلس، وهما العراق ومصر في مواجهة بعضيهما البعض، في إطار صراع كبير تدخلت فيه أزيد من ثلاثين دولة من دول العالم، لصد العراق عن الكويت ورفع يده عن الاحتياطي الاستراتيجي النفطي الكبير الذي تزخر به شواطئ الخليج.
والواقع أن حرب الخليج لم تكن السبب الوحيد الذي عجل بانهيار مجلس التعاون العربي، وإن شكلت في حقيقة الأمر المسمار الأخير الذي دق في نعش المجلس المذكور. فعوامل انهيار المجلس كانت متوافرة قبل اندلاع أزمة الخليج، بل يمكن القول بأن هذا المجلس حمل بذور انهياره مع ولادته، ونوجز هذه الأسباب والعوامل فيما يلي:
1-انعدام التواصل الجغرافي بين أعضاء المجلس:
إن نظرة سريعة على خريطة المجلس تبين أن الدول الأعضاء ليست على اتصال جغرافي وثيق ببعضها إذا ما استثنينا العراق والأردن، فمصر تبدو كما لو كانت معزولة عن الدولتين وراء ضبه جزيرة سيناء، وحدودها الدولية معه إسرائيل وفقا لاتفاقيتي كامب ديفيد ومعاهدة السلام، لا تترك لها سوى قناة اتصال ضيقة ومحدودة عبر خليج العقبة مع الأردن. أما اليمن فهي معزولة بالتأكيد في جنوب الجزيرة العربية وأقرب اتصال لها بمصر لابد وأن وان يمر عبر البحر الأحمر. بينما تقف المملكة العربية السعودية بمساحتها الشاسعة حاجزا دون اتصالها بالعراق والأردن.
ولاشك أن انعدام التواصل الجغرافي بين أعضاء المجلس، يحرم هذا المجلس من تكثيف درجة التفاعلات بين أعضائه وتسيير قنوات الاتصال فيما بينهم. ذلك أن رفع القيود وفتح الحدود الذي تحدث عنه الدكتور سعد الدين إبراهيم لن يحقق النتائج المرجوة إلا من تواصل جغرافي وثيق.
2-اختلاف التوجهات السياسية لأعضائه:
على النقيض من دول مجلس التعاون الخليجي التي قامت بتأسيس مجلسها في بداية الثمانينات، وهي تتمتع بدرجة عالية من الانسجام والتناغم في توجهاتها واختياراتها السياسية، فإن دول مجلس التعاون العربي قامت بتأسيس مجلسها في أواخر الثمانينات، والتوجهات والاختيارات السياسية لكل منها تكاد تكون مختلفة اختلافا جذريا مع توجهات شركائها الآخرين.
لقد دخلت مصر مجلس التعاون العربي وهي مثقلة بقيود كامب ديفيد. كان همها الأول هو الرجوع إلى الصف العربي لكن من دون التفكير في التخلي عن التزاماتها القانونية إزاء إسرائيل، ومن دون التفكير في التخلي عن التزاماتها السياسية إزاء الولايات المتحدة. فتلك اختيارات سياسية لا رجعة فيها بالنسبة للنظام المصري. بل أنها كانت تأمل أن يكون رجوعها إلى الصف العربي عبر باب مجلس التعاون العربي، جسرا لربط باقي الدول العربية بمسلسل السلام.
بينما كان العراق يسير على نقيض التوجهات المصرية. يريد أن يجر مصر إلى تصليب مواقفها ليس إزاء إسرائيل فحسب، فذلك أمر مفروغ منه حسب الاختيارات السياسية العراقية التقليدية. بل كذلك إلى تصليب موقفها إزاء دول الخليج العربية، وكان من المستحيل التوفيق بين الاتجاهين المصري والعراقي.
أما الأردن فقد كان مضطرا إلى مسايرة التوجهات العراقية خصوصا وأن رصيده السياسي الاعتدالي وقربه من الغرب قد أخذته منه مصر بتحالفها مع الولايات المتحدة وصلحها مع إسرائيل.
يتضح من اختلاف التوجهات السياسية لأعضاء المجلس، أن كل طرف كان يأمل في تحقيق مكاسب خاصة به من من هذا المجلس. دون أن تكون هناك خطة عامة وشاملة تنصهر فيها إرادات الأطراف لتؤدي، على المدى المتوسط والبعيد، إلى خلق نوع من التكامل الحقيقي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فقد كان كل طرف مشغول بمطالبة آنية ومستعجلة لا تتحمل الانتظار، ولم يكن لمثل هذه المطالب أن تتحقق دون وجود خطة عامة ومشتركة، وحتى محاولة فصل الجوانب السياسية عن الجوانب الاقتصادية في اتفاقية تأسيس المجلس، والقول بأن هذا المجلس إنما هو مجلس اقتصادي بالدرجة الأولى لم تنجح، وذلك لسبب بسيط طالما نبهنا إليه في هذه الدراسة، وهو أنه يستحيل في أوضاع العالم العربي عزل ما هو اقتصادي عن ما هو سياسي. فالحركة في المجال الاقتصادي بل والاجتماعي والتربوي وحتى المجالات التقنية المحضة، تتطلب وجود إرادة سياسية تمهد الطريق لهذه الحركة، وإلا فإن جميع الجهود سوف تتكسر على صخور الخلافات السياسية.
يمكن أن خلص إلى القول بأن العامل السياسي يعتبر ذا أهمية قصوى في تقرير مصير هذه التحالفات. فبينما يظل العامل الجغرافي ساكنا، ويقدم إمكانيات بالقوة لا بالفعل، لقيام التحالفات كما في الكتل الجغرافية التي درسناها، والتي غالبا ما توزعها التحالفات هي ذاتها. نجسد أن العامل السياسي، والمقصود به هنا الإرادة السياسية، هو الذي يضفي على العامل الجغرافي دلالته السياسية ومغزاه التحالفي، أنه بمثابة االروح في الجسد.
وإذا كانت التحالفات العربي قد عرفت فيما مضى نوعا من الاستقطاب الإيديولوجي الشديد، يوم كان العرب منقسمين إلى تحالفين رئيسيين: راديكالي ومحافظ. فإن العقود الأخيرة شهدت تراجع الروح القومية في النظام العربي، وانحسار الاستقطاب الإيديولوجي الثنائي فيما بين الأنظمة العربية، وتحوله إلى استقطاب تعددي لا تكاد تلعب فيه الإيديولوجيا؟ (والمقصود بها هنا الإيديولوجيا القومية أساسا وغيرها من الإيديولوجيا القطرية المحافظة بدرجة أقل) أي دور، أو تلعب فيه دورا جد خافت ومحدود في أحسن الأحوال. لذلك يمكن القول بأن التحالفات العربية المعاصرة خصوصا تلك التي سادت في العقدين الأخيرين تتميز بانعدام القوة الإيديولوجية المحركة لديناميات النظام العربي، وحل محلها نوع من الممارسات التحالفية البرامجاتية، المحكومة أساسا بتغير  الظروف السياسية، والشواهد على ذلك كثيرة، حيث تحالفت أنظمة راديكالية مع أنظمة محافظة ضد أن أنظمة راديكالية وأنظمة محافظة أخرى: (الجزائر وتونس وموريطانيا ضد ليبيا والمغرب خلال سنتي 1983-1984).
وتحالفت أنظمة عربية قومية راديكالية مع نظام ديني غير عربي ضد نظام قومي عربي (ليبيا وسوريا مع إيران ضد العراق) خلال الحرب العراقية- الإيرانية. وتحالفت أنظمة عربية مع أنظمة من دول الجوار الإقليمي ضد أنظمة عربية أخرى، (ليبيا واليمن الجنوبي، وأثيوبيا ضد السودان ومصر) في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات. كما تحالف العراق القومي الراديكالي عقب خروجه من جبهة الصمود وانهيار تحالفه مع سوريا عام 1979، مع السعودية ذات التوجه الإسلامي العربي المحافظ إلى غاية 1981، (نشوب الحرب مع إيران وقيام مجلس التعاوني الخليجي...). وهكذا أصبح النظام العربي مسرحا لتحالفات شتى اختلطت فيها الألوان وتداخلت فيها الشعارات بصورة لم تحدث من قبل.

المبحث الثاني: تحديات الدبلوماسية المغربية:
المطلب الأول: الصراع العربي الإسرائيلي
قد يكون من ***** القول إعادة التذكر بالتفاعل الكبير بين المغرب والصراع العربي الإسرائيلي فقد مارس هذا الحقل ثأتيرا خاصا على الدبلوماسية، والمغاربة بصفة عامة، ويزكي العاهل المغربي هذه المعاينة عندما أشار إلى هذا الصراع شكل المجال الذي عمل من خلاله على التمييز عن سياسة والده المغفور له محمد الخامس وبعض مواقف الدول العربية والشرق أوسطية منذ تسلمه لمقاليد السلطة.
ولا عجب أن يستأثر هذا الملف باهتمام العاهل المغربي، الدبلوماسية، بل وحتى المواطن المغربي، الذي ***** دائما بين القضية الفلسطينية، وقضيته الوطنية المتمثلة في استرجاع الصحراء المغربية. انطلاقا من كونها تمثل قضية عادلة تتوخى استرجاع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الذي تعرض للاضطهاد والاستلاب. علاوة على ذلك، فإن هذه المسألة قد طبعت العلاقات العربية العربية، وهذه الأخيرة مع محيطها الدولي.1)
فمتى **** سنة 1967 لم تكن السياسة الخارجية المغربية تعطي اهتماما زائدا للنزاع العربي الإسرائيلي وكانت تعتبره مشكلا يهم دول المشرق على الخصوص. إلا أن هذه النظرة تغيرت إثر حرب الستة أيام التي كانت بمثابة صدمة بالنسبة للمجتمع المغربي الذي عاش الهزيمة مثله مثل باقي دول العالم العربي والتي اعتبرت تراجيديا جماعية، فأمام ضغوط الأحزاب السياسية- وخاصة حزب الاستقلال التي استغلت الجمود الرسمي واستغلت الحدث لتعلن حضورها في الساحة السياسية. قامت الحكومة المغربية في اخر لحظة بغرسال جيش رمزي من القوات المسلحة الملكية كان ***** دون نتاج له الفرصة للمشاركة في المعركة بسبب الانتصار الصاعق لإسرائيل.
وقد أدى ضعف الملكية في السنوات الموالية. وهو أمل ظهر جليا بين 1971 و 1972 إثر المحاولتين الفاشلتين للملك الحسن الثاني إلى البحت عن بدائل إضافية لإعادة الشرعية ومن بين هذه البدائل نجد استرجاعه للسياسة العربية الإسلامية التي كانت تطالب بها القوى السياسية المعارضة ( حزب الاستقلال والاتحاد الوطني  للقوات الشعبية) التي دفعت لتأسيس الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني إثر نكبة 1967، وخلال القمة التاسعة لمنظمة الوحدة الإفريقية، التي انعقدت بالرباط سنة 1972، لعبت الدبلوماسية المغربية دورا هاما إذ حصلت على دعم المنظمة الإفريقية رسميا للقضية الفلسطينية. وهكذا لعبت هذه المكتسبات إضافة إلى إرسال قوات من الجيش المغربي إلى الجولان خلال الحرب العربية الإسرائيلية في أكتوبر 1973، دورا هاما على المستوى الداخلي وزادت من سمعة المغرب في العالم العربي.
وارتكازا على دور القوات المسلحة الملكية (FAR) في حرب رمضان دافع الحسن الثاني منذ سنة 1976 عن طرح الحل العادل والمنصف للصراع العربي الإسرائيلي ورفض سياسة الكل أو لاشيء، وقد تكرر هذا الموقف مرارا من طرف العاهل المغربي. ففي الوقت الذي عبر فيه المغرب عن دعمه للمخطط العربي لفاس، ذكر الملك الثاني بأن:
" المغرب لا يخاف الحرب ولا الاستشهاد، لم تفرض على جنودنا الذهاب للحرب في الجولان وسيناء بل طلبنا 6000 متطوع فسجل 25000... لقد أظهرنا بأننا نعرف معنى الحرب لكن الحرب لا يجب أن تكون هدفا في حد ذاتها، ووعيا منا أن الحرب التي دخلنا هاهي من أجل استرجاع حق. فنحن مستعدون كذلك للحوا رب.
ومنذ السبعينيات كان الملك الحسن الثاني بيادي بجوار مباشر بين أطراف النزاع يمكن من وضع أسس التعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وكان الملك الحسن الثاني مؤهلا أكثر من مسؤولين عرب آخرين لإرساء هذه السياسة فكونه أمير المؤمنين كانت له إمكانية وضع الصراع. ليس في سياق عالم ثالث أو مناهض للإمبريالية. بل في سياق ديني. فمنذ ترأس لجنة القدس التي أنشئت من طرف منظمة المؤتمر الإسلامي سنة 1979. وهو منكب على البحت عن حل في إطار إسلامي لمستقبل القدس المدينة المقدسة لدى الديانات الثلاث، وهو ماكان أيضا شكلا من أشكال دحض مؤخدات الإسلاميين من جهة والقوى السياسية اليسارية من جهة أخرى الذين كانوا يؤاخذونه بقولهم إنه اتخذ  موقفا مبالغا في الاعتدال ومواليا للطرح العربي الإسرائيلي. 2 )
وهكذا كان الملك الحسن الثاني يخرج بين مبادرته الدبلوماسية في إطار الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وبين مبادرته الشخصية، والتي غالبا ما تكون ثنائية، محاولا الدفع عبر القناتين بجل تفاوضي للمشكل الفلسطيني يقوي الجبهة العربية الموالية للعرب والمؤيدة لحل ترعاه الولايات المتحدة.
وفي نهاية السبعينيات دافع المغرب عن فكرة دمج منظمة التحرير الفلسطينية في النظام الداخلي العربي حتى لا تلجأ إلى مواقف متطرفة. وقد لعب الحسن الثاني دورا هاما في القمة العربية بالرباط سنة 1969 حتى يتم قبول منظمة التحرير الفلسطينية كعضو في الجامعة العربية، واستدعى المنظمة الفلسطينية للحضور كملاحظ في القمة الإسلامية المنعقدة في نفس السنة بالعاصمة المغربية، وخلال القمة العربية لسنة 1974، المنعقدة ======= بالرباط ثم الحصول على إجماع حول مسألة تمثيلية منظمة التحرير الفلسطينية.
هكذا ثم اعتبار المنظمة التي يتزعمها ياسر عرفات بمثابة الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني. ولها كامل الحقوق في الحصول على سيادة وطنية مستقلة على الأراضي التي قد تحرر دبلوماسيا وسياسيا أو عسكريا. وقد لعب العاهل المغربي دورا هاما في هذه القمة بحيث عمل على إبطال مزاعم الملك حسين الذي لم يكن قد نسي بعد شتنبر الأسود لسنة 1970، والذي كان يقول بأن تمثيلية فلسطيني الضفة الغربية من حق الأردن وليس منظمة التحرير الفلسطينية، بحيث أن هذه  الأراضي سلبت من المملكة الهاشمية وليس من فلسطين التي لم تكن توجد آنذاك ككيان سياسي.
ومنذ أواسط السبعينيات، عمل الملك المغربي بنشاط على الدفع بمبادرات جريئة من أجل إيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي. فالثقل الانتخابي غير المستهان به للطائفة اليهودية ذات الأصل المغربي في إسرائيل، وكذا العلاقات الجيدة التي تربط الملك بالمسؤولين المصريين والسعوديين جعلتا منه الوسيط بامتياز بين إسرائيل والدول العربية المحتلة المقربة من الولايات المتحدة فالزيارة القصيرة التي قام بها إسحاق رابين وشمعون بيريز إثر عودتهما من أمريكا في شتنبر 1993 بعد توقيع اتفاقية الحكم الذاتي في غزة والقطاع دليل قاطع على دور الملك الحسن الثاني في الحوار العربي الإسرائيلي وإشارة إلى ضرورة استمراره في لعب هذا الدور في المستقبل القريب بخصوص مواضيع حساسة مثل موضوع القدس.
كامب ديفيد
لعبت الدبلوماسية المغربية دورا حاسما في مسلسل التقارب المصري الإسرائيلي والذي توج بتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد التي بموجبها أعادت إسرائيل سيناء لمصر.
آذان الملك المغربي كان قد التقى بشكل سري في المغرب بالوزير الأول الإسرائيلي وإسحاق رابين، وكان بمثابة الوسيط بين المصريين والإسرائيليين. وهيأ التراب المغربي لعقد اللقاءات التحضيرية بين موشي ديان وحسن التهامي المصري لترتيب سفر أنور السادات إلى القدس، ليحصل المغرب مقابل ذلك على الدعم الدبلوماسي المصري في نزاع الصحراء.
وكان الملك الحسن الثاني من رؤوساء الدول العربية القلائل الذين أيدوا سفر السادات إلى القدس في نونبر 1977، وهو الذي دعا منظمة التحرير الفلسطينية لتلتحق بالمسلسل، وفي الخطاب الذي ألقاه بمناسبة افتتاح مؤتمر وزارة العدل العرب الذي انعقد بمراكش وصف مبادرة الرئيس المصري على أنها حدث تاريخي يفتح الباب أمام دينامية جديدة، ونفى أن تكون هذه المبادرة قد أثرت على الالتزامات التي حصل عليها الرئيس السادات لصالح القضية الفلسطينية، وطالب المجموعة العربية بدعم هذه المبادرة، كما ====== موفقة منها: " فيما يخص. فنحن نقول الرئيس السادات إننا معه جسد وروحا، سنصفق لنجاحه، وفي حالة فشله فسنبقى إلى جانبه وإلى جانب كل العرب من أجل استعادة حقوقنا بالطرق الملائمة"
فاتفاقيات كامب ديفيد الموقعة في شتنبر 1978 والتي كان من المتوقع أن تمنح حكما ذاتيا محدودا لسكان غزة والقطاع لمدة خمس سنوات. اعتبرتها الرباط خطوة أولى نحو تحقيق حل شامل وعادل للقضية العربية والمشكل الفلسطيني والمغرب هو البلد الوحيد الذي نزل به السادات مرحليا أثناء عودته من واشنطن، إلا أن الرفض العام الذي خلفه توقيع هذه اتفاقية سواء بين الدول العربية المعتدلة أو بين ====== لجبهة الرفض. وكذا المعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في مارس 1979، أجبرت المغرب الذي كان يواجه صعوبات اقتصادية واجتماعية وعسكرية بسبب النزاع في الصحراء على تغيير موقفه حتى لا يبقى منعزلا عن المحيط العربي.
المطلب الثاني: قضية الصحراء:
إن الحديث عن وجود مجتمع مدلي يفترض القبول بتعددية المواقف والتقييمات داخل الأقطار المغاربية. فالمغرب ==== في ظل الخيار الديمقراطي، لا بنبغي أن يبقى حكرا على الأنظمة السياسية، بل من الضروري أن يستوعب حقيقة مساهمة كافة الفعاليات في تشييد هذا الصرح، وإلا فإنه سيظل محدودا ومعوقا في عطائه ومن الواضح أن غياب التوافق الداخلي والحوار قد جعل الهواجس الأمنية تسيطر على سلوكيات المسؤولين المغربيين. وقد لاحظنا ذلك في سياق الأحداث التي عرفها المغرب في أغسطس 1994، والتي تمثلت في مهاجمة فندق أطلس أسني بمراكش وتسريب الأسلحة عبر التراب المغربي. وهي الأحداث التي حمل المغرب مسؤوليتها للمخابرات الجزائرية. وكرد فعل فقد قرر فرض التأشيرة على دخول الجزائريين إلى التراب المغربي، مما ترتب عنه قرار الجزائر بإغلاق الحدود في مواجهة المغاربة.
وطبيعي أن هذه الأحداث وردود الفعل التي قادتها الهواجس الأمنية لا يمكن إلا أن تنعكس سلبا على العلاقات بين الطرفين. وتولد خيبة أمل لا سيما لدى المناطق الحدودية التي استثمرت مغاربيا، والتي تتعرض للانتكاسة بفعل هذه القرارات التي تفتقر للروية والتمحيص.
على المستوى الإقليمي ظلت مشكلة الصحراء المغربية يصدر توثر بين المغرب والجزائر. فالمشروع المغاربي لم يشكل أرضية ملائمة لتجاوز هذا النزاع. وإذا كان المغرب والبوليزاريو قد استطاعا الاتفاق في أغسطس 1988 على إتفاق يقضي بوقف إطلاق النار، والشروع في عملية تحديد هوية المشاركين في الاستفتاء من القبائل الصحراوية. فإن هذه العملية التي بدأت تحت إشراف الأمم المتحدة سرعان ما اصطدمت بعراقيل ناتجة عن موقف جبهة بوليزريو التي رفضت القبول بالنظر في اللوائح التي قدمها المغرب. مدافعة عن ضرورة التشبث بالمعطيات التي تضمنها الاستفثاء الإسباني في سنة  1974 وقد كان للموقف الجزائري الذي ظل مساند لأطروحة البوليزاريو رد فعل سلبي في المغرب تمثل في مطالبة المسؤولين المغاربة من الجزائر التي كانت تترأس الاتحاد تجميد عمله في انتظار إعادة تقييم مسيرته. وقد أفضى هذا التعثر إلى سحب الأمم المتحدة لقوات المينورسو، التي كانت مهمتها إقرار الظروف الملائمة للاستفثاء.
على المستوى الأخير، فإن مسيرة اتحاد المغرب العربي واجهت بالأساس كيفية التعامل مع متغيرات المحيط الدولي. فإذا كان من بين أهداف هذا البناء الرفع من القدرات التفاوضية للمنطقة في مواجهة التكتلات والمجموعات الخارجية. فإنه يلاحظ أن هذا الهدف ظل بعيد المنال.
من الطبيعي أن يكون ====== مشكلة داخلية ذات أبعاد سياسية عديدة اثارا هامة على الأمن الوطني للدولة والأمن القومي للأمة.
ويظهر ذلك الأثر بشكل خاص لدول الجوار التي تعاني من صراعات إيديولوجية وخلافات حدودية ومصالح متضاربة تغنيها المؤثرات الخارجية بدوافع مختلفة:
وينطبق هذا الوصف على مشكلة الصحراء الغربية بكل تأثيراتها ======= على الأمن الوطني للمغرب في ظل صعوبة إيجاد الأرضية المشتركة التي تكون مدخلا للتغريب بين مواقف الأطراف المباشرة في النزاع أن الأمن القومي العربي يستهدف حماية الكيان العربي في مواجهة ما يهدد من أخطار وتحديات ويستلزم تعبئة وتطوير قدرات الأمة البشرية والاقتصادية والعسكرية لتحقيق التكامل القومي والتنمية الاقتصادية، وتمثل حالة الاستقرار عنصرا أساسيا من عناصر الأمن الوطني والقومي لأنه يجعل المنطقة بعيدة عن التأثيرات الخارجية وتفاعلاتها.
إن المغرب وامتداده الجنوبي ( منطقة الصحراء الغربية) يعد ذا أهمية جيو-استراتيجية لإطلالها بواجهة عريضة على المحيط الأطلسي والبحر المتوسط ومتحكمة بمدخله الغربي (مضيق جبل طارق)، وهذا بحد ذاته يشكل ـهمية جيوبولتيكية ناذرة في الحسابات الدولية ولذلك ارتبط المغرب بروابط اقتصادية وسياسية وعسكرية وثيقة مع دول الجوار الأوروبي، وإذا كان الساحل المغربي هو أرض العبور التي قفز منها العرب إلى الأندلس لنشر الدين الإسلامي والثقافة العربية في أوروبا، فإنه اليوم نفس المكان الذي يواجه فيه المغرب العرب الأوروأمريكي، إن موقع الصحراء البحري له أهمية كبرى يمكن توظيفها لتعزيز الأمن القومي فالعنصر ===== الذي يتمثل بالمساحة الجغرافية وما تحتويه من موارد اقتصادية وتنوع مناخي وتداخل ثقافي وتكامل سكاني يوفر مزايا كثيرة للأمن سواء كانت اقتصادية أو عسكرية.
وتشكل دول الجوار غير العربية تهديدا يستهدف الأمن العربي بشكل عام والمغرب بشكل خاص من خلال اعتمادها على إستراتيجية التوسع والاحتلال بحكم المشاكل الحدودية الموجودة ومنها مشكلة الصحراء وسبته ومليلية وحقوق الصيد البحري، وانعكست حالة الاختلاف بين أطراف النزاع على الموقف العربي الرسمي الذي لم يتفق على آلية مناسبة لحل المشكلة، وهذا الاختلاف فأفسح المجال أمام التجاذبات الدولية الخارجية أن تفعل فعلها في إبقاء حالة عدم الاستقرار الذي هو أحد عوامل تهديد الأمن القومي ويبرز تهديد اخر يتمثل في ظهور قوميات واعدة تحمل في ثناياها.
عملية رسم حدود نفسية وسياسية وايديولوجية كالبربر والزنوج السنغال لتصفية وحدة المغرب العربي.
إن قضية الصحراء ليست عملية استقلال صحراوي عن المغرب وإنما هي عملية يقصد بها الإبقاء على حالة الاختلاف والتجزئة وتكريس حالة الخوف على الكيانات القائمة فالمغرب تخاف على كيانها وشخصياتها كدولة ملكية. والجزائر تخشى من تنامي التيار الإسلامي وموريتانيا تتخوف من التيار القومي الذي يرفض التطبيع مع الكيان الصهيوني.
لقد حصلت مجموعة من المتغيرات على الساحة الدولية تركت اثارها المباشرة ليس على مشكلة الصحراء فقط وإنما على العديد من المشكلات ذات المساس بالأمن القومي كالقضية الفلسطينية ومشاكل أخرى عالمية مثل مشكلة كشمير والبوسنة وكوسوفا وغيرها.
خاتمة :
ربما هنا الرصيد الحافل للدبلوماسية المغربية العربية على عهد الحسن الثاني ومقارنتها ===== الحالية هو ما يعطي الانطباع بتراجع وانكفاء هذه الدبلوماسية اتجاه المحيط العربي وهي مقارنة غير صحيحة من الأساس، نظرا لأن مدة 6سنوات، وهي ما مضى من حكم الملك محمد السادس، غير كافية لاستعراض الحصيلة والمقارنة خاصة عندما يكون الابن قد عوض مكان الأب الذي جلس على العرش لمدة 38 سنة (13)، ورغم ذلك لا يمكن إنكار دور الملك محمد السادس في الدبلوماسية المغربية العربية، وعموما فأهداف الدبلوماسية المغربية التي كانت متوخاة خلال القرن الماضي لا تزال ثابتة ولازال البعد القومي من ركائز الدبلوماسية المغربية الحالية (14) ولو ما يمكن  استنتاجه من خلال قراءة خطب الملك محمد السادس منذ اعتلائه عرش المملكة.

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم هذا الموضوع مهم لكن ليس به هوامش نرجو ان توفر لنا الهوامش وشكرا

    ردحذف